هيئة تحرير الشام "حرَّرت" السوريين من الوطن والمهجر! _ أمين أبوراشد

الجمعة 12 كانون الأول , 2025 08:38 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

وقّع وزراء الهجرة في دول الاتحاد الأوروبي منذ أيام "ميثاق الهجرة واللجوء"، الذي استهدف اللاجئين السوريين ووجوب ترحيلهم إلى بلادهم، وهذا الميثاق اعتبر مراقبون أنه أقسى تحوُّل في السياسة الأوروبية منذ سنوات، وخطوة مفاجئة تشبه الانقلاب على سياسة الاحتضان السابقة، وتُعيد رسم مصير آلاف الباحثين عن الأمان، بسبب أولئك الذين استخدموا شوارع المدن الأوروبية مرتعاً لتظاهراتهم الطائفية بعد إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد ووصول أحمد الشرع إلى السلطة في سوريا، وقد كانت صفحات التواصل الاجتماعي، خصوصاً "الفايس بوك"، أسهل الطرق التي أرشدت أجهزة الاستخبارات الأوروبية إلى المتطرفين الذين يشكلون خطراً على أمن القارة، لاسيما المخبولين منهم، الذين يطالبون بإقامة "دولة الخلافة" في أرقى دول العالم مثل الدنمارك والنمسا وألمانيا.

ولعل أخطر ما في القرار الأوروبي أنه استثنى الأقليات السورية من تدابير الترحيل، باعتبار أن مجتمعاتهم في الداخل السوري ما زالت غير آمنة، كالعلويين والدروز والمسيحيين، لا بل ما زالت أبواب الهجرة مفتوحة أمامهم إلى أوروبا، على أن يُدرس وضع الأكراد كحالات فردية، سواء في إعفاء الموجودين منهم في أوروبا حالياً، أو الراغبين باللجوء مستقبلاً، وهذه التدابير التي استهدفت ترحيل أبناء الطائفة السنية السوريين تحديداً وإغلاق أبواب الهجرة أمامهم، جاءت بذريعة أن مناطقهم في دمشق وجوارها باتت آمنة بعد رحيل نظام الرئيس بشار الأسد، وأن الهاربين منهم من الخدمة العسكرية قد سقطت أسباب هجرتهم أيضاً، وبذلك تغدو الانقسامات على المستوى الطائفي بين السوريين على هامش القرار الأوروبي أكثر حدَّة، وستنتقل تداعياتها إلى الداخل السوري مع العائدين من الخارج.

المشكلة لا تقتصر على التمييز بين الأقليات وأبناء الطائفة السنية في قرار كهذا، بل سيدفع أبناء هذه الطائفة أثمان ما ارتكبه التكفيريون المتطرفون الذين يُحسبون على الطائفة في الخارج كما في الداخل، وليست المعضلة في البيئة الآمنة عسكرياً ضمن العاصمة دمشق وضواحيها، بل في فرص العمل المفقودة في سوريا للعائدين الذين حُرموا من مستقبل كانوا يؤسسون له في أوروبا.

وقد يكون المهاجرون السوريون ضحايا موجة "الإسلاموفوبيا" المنتشرة في الغرب منذ بدء قيام ما تُسمَّى ثورات "الربيع العربي"، واختلطت جحافل المهاجرين من بلدان الشرق الأوسط بالشعوب الأوروبية، ونشأت أزمة الاندماج في المجتمعات الجديدة لدى البعض من المهاجرين، لكنها لم تصل إلى حدود الصدام اليومي مع الشرطة والجماعات اليمينية في البلدان الأوروبية المستضيفة، التي باتت مؤخراً تعاني من رعب ديمغرافي وجودي، عزز من الكراهية غير المبررة أحياناً لبعض المسلمين الذين ظُلموا نتيجة التشدد لدى بعض الضيوف والمستضيفين على حد سواء.

ورغم مرور أربعة عشر عاماً على الأزمة السورية، ما وجد السوريون أنفسهم توَّاقين للهجرة، بدليل لجوئهم إلى دول الجوار على أمل الإقامة المؤقتة في لبنان والأردن والعراق وتركيا، حتى ضمن مخيمات، لكن الوضع السياسي السوري مع الجوار الإقليمي بات سيئاً بعد وصول أحمد الشرع إلى الحكم، بدليل أن العراق أنجز بناء سور إسمنتي على الحدود مع سوريا بمئات الكيلومترات، مع حساسات إلكترونية وخنادق دفاعية، وكذلك الأمر بالنسبة للأردن، حيث يدور بحث جدي لبناء سور مع سوريا شبيه بالسور العراقي. وإذا كانت تركيا ضامنة لأمنها عبر وجود قواتها داخل الأراضي السورية، فإن لبنان يعاني من انفلات حدوده، ما يجعل من أمنه وأمن سوريا على صفيح من التوترات التي لا يستفيد منها سوى العدو "الإسرائيلي".

وإذا كان قدر بعض السوريين العودة غير الطوعية من البلدان التي هاجروا إليها، فلأن الداخل السوري يغلي بالانقسامات السياسية المتصاعدة، وأحمد الشرع يدرك ذلك، سيما وأنه عاجز عن تنفيذ الشروط الأميركية والأممية المرتبطة بالقرارين 2254 و 2799، وبالتالي، فإن سوريا بعد "آذار الساحل" و"تموز السويداء" سائرة كدولة موحدة إلى نقطة اللاعودة الى الوحدة، وسط صراع على جنوبها روسي- إسرائيلي، وعلى غربها روسي -"إسرائيلي" مع امتعاض تركي، وعلى شمالها الشرقي أميركي على أعين الأتراك، والحالة آيلة في النهاية إلى فدراليات أو كانتونات، حيث يبحث سنَّة بلاد الشام أبناء البلد الذين يشكلون الغالبية الشعبية والثقل السياسي، عن كانتون لهم في حمأة صراعات عرقية وطائفية لا ذنب لمعظمهم فيها، سوى أن منظمة تطلق على نفسها هيئة تحرير الشام، حررت السوريين من انتمائهم الأصيل، وما تركت لهم موطناً آمناً لا في الوطن ولا في المهجر.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل