لإحياء وترميم ثقافة المقاومة والعداء "لإسرائيل" ــ د. نسيب حطيط

الأربعاء 10 كانون الأول , 2025 11:16 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
بعد الضربات العسكرية القاسية التي تعرض لها "محور المقاومة"، والتي زعزعت هيكليته التنظيمية والعسكرية، واغتيال رموزه وقادته، وانفضاض الحلفاء وغدرهم، وتكاثر الخصوم المتحالفين مع العدو الذين يعملون كقوة طليعية لتقدمه العسكري والسياسي، تتعرض المقاومة وأهلها لحرب ثقافية تستهدف احتلال العقل المقاوم وإعادة صياغته وتغيير مفاهيمه ومصطلحاته، لكي يتقبلوا الاحتلال والسلام المفروض وفق الشروط والقواعد الأمريكية و"الإسرائيلية" والتطبيع معه.
إن الحرب الثقافية والفكرية والإعلامية أشد خطراً من الحرب العسكرية، لأنها تسعى إلى قلب المعايير والمصطلحات وتحويل المجتمع المقاوم، بقناعته ورضاه، إلى مجتمع مستسلم ومهزوم يطالب بالاستسلام الذليل، بحجة أن ذلك هو أفضل طريقة للنجاة، وأن التطبيع هو بوابة للعمل والتجارة والاقتصاد، وأن الاستسلام تصرف عاقل غير مغامر، وأن السلاح لمواجهة الغزو والاحتلال أمر عبثي لا يحقق أي نتيجة ويؤدي إلى الهلاك، وأن التعامل والعمالة للعدو شرط لقبوله في وطنه أو المهجر بأمان.
تتعرض ثقافة المقاومة لحملة تدجين وتهجين يشارك فيها بعض علماء الدين والمؤسسات الدينية، وبعض السياسيين والإعلاميين والمثقفين والتجار ورجال الاتصال. تهدف هذه الحملة إلى تضليل وخداع لتدجين وتهجين الفكر المقاوم وتلقيحه ببعض الآيات وتفسيرها خلاف ما هي عليه، وفق ما يتطلبه الحاكم أو المصلحة أو الخوف. يتبارى رجال الدين والسياسيون والإعلاميون في هذا الشأن، {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا}، دون فهم للسلم المطلوب ووفق أي قواعد وبأي آلية لحفظ الحقوق، فيجعلون السلم القرآني هو "السلام الإسرائيلي - الأمريكي" المفروض بالقوة، ويدعون الناس باسم الله للجنوح إليه، وهذا بهتان وتضليل، ثم يسندون قولهم إلى الآية {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، ويفسرون أن التهلكة هي مقاومة العدو، بينما التهلكة الحقيقية هي الاستسلام والخضوع وقبول الاستعمار.
يقولون بـ"ضرورات الأنظمة وخيارات الشعوب" كعنوان عام تضليلي، لا يفقهون جوهره وقيوده، ويتجاوزون أن هذا القول اجتهاد في "الفقه السياسي" قابلٌ للنقاش وليس إلزامياً ومع ذلك، فهو يقول بتقييد الأنظمة وعدم توسعة ضروراتها ومعارضة التطبيع والاعتراف والسلام مع إسرائيل، وأن خيارات الشعوب يجب أن تكون وفق "الحكم الشرعي" بعيداً عن الأنظمة، حتى لو كان ممثّلوها منخرطين في مؤسسات الأنظمة "المضطرّة"، فهم مُلزمون بخيارات من يمثّلون وإلا سقطت شرعيتهم وبَطُلت وكالتهم عن الناس.
إن خطورة تدمير ثقافة المقاومة وتدجين الفكر المقاوم ،تفوق أخطار تجريد السلاح المادي الذي يمكن تعويضه خلال سنوات بعد تدميره، أما نزع ثقافة المقاومة وفكرها، فيحتاج إلى أجيال وعقود طويلة لإعادة زرعه وتنميته وقد بدأ الخطر بالظهور عبر  تسلّل بعض المصطلحات إلى المجتمع المقاوم، فيسارع البعض لاستخدام  مصطلح "السلام العادل والشامل" متجاوزين الحكم الشرعي الذي يمنع السلام والاعتراف بإسرائيل، حتى لو اعترف العالم بذلك ويتجاوز هذا الاستخدام رأي الإمام الصدر بأن "التعامل مع إسرائيل محرم"، وفتاوى المرجع الشهيد محمد باقر الصدر "بأن الاعتراف بإسرائيل خروج عن الإسلام"، ورأي الإمام الخميني "بأن إسرائيل غدة سرطانية يجب أن تزول" والأخطر من ذلك، أنه يتجاوز النص القرآني: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلْيَهُودَ}  والبلاغ الإلهي {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، فهل نصدّق ونطيع الله سبحانه أم القائلون من البشر؟
رغم كل الضربات القاسية والخسائر والحصار والتهديدات، فقد نخسر معركة أو أرضًا أو قادة، لكن الأهم هو ألا نخسر عقيدتنا وثقافتنا وفكرنا المقاوم، فإذا خسرنا هذه العقيدة والفكر المقاوم، فلن نتمكن نحن أو الأجيال القادمة من استرجاع أي أرض محتلة، أو الدفاع عن ديننا وثقافتنا وشعائرنا.
بقيت بعض الاحتلالات لمئات الأعوام ،لكنها رحلت في النهاية، ، لذا، لا ينبغي أن نستعجل أو نخاف لعدم خروج الاحتلال خلال شهر أو سنوات، فنقدم تنازلات عقائدية وثقافية وأمنية وسياسية واقتصادية ولقد بقينا تحت الاحتلال 22 عامًا في الجنوب، وأقام منطقته الأمنية وأغلقها بالمعابر، لكننا انتصرنا وطردناه، لأن ثقافة المقاومة كانت هي الحاكمة، وكان الحكم الشرعي هو القائد للقرار السياسي والعسكري وليس العكس وإذا تم تحييد العقيدة والحكم الشرعي لصالح ما يسمى "الواقعية المخادعة" والقبول بالأمر الواقع وحفظ المصالح، فسنكون من الأخسرين أعمالاً في الدنيا والآخرة.
فليبادر أهل الرأي والثقافة والعلم والدين والمعرفة للقتال على جبهة المقاومة العقائدية والثقافية، لحماية العقل المقاوم من الاحتلال ومواجهة المصطلحات التي بدأت تخترق ثقافتنا السياسية والعقائدية.
المقاومة فكرٌ وليست مجرد رصاصة وصاروخ، وعلينا حماية الفكرة حتى تؤتي ثمارها كل حين بإذن ربها وسواعد عباده الصالحين.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل