أقلام الثبات
لأول مرةٍ في حياتي المهنية التي بدأتها في العام 2002، وما قبل أيضًا، أي عندما كتبت بعض المقالات ذات البعد الوجداني، التي كانت أقرب إلى الرومانسية من السياسة الواقعية، أتطرق هنا إلى حالةٍ إنسانيةٍ - نفسيةٍ (مشاعرية) تؤثر عادةً في موضوعية إجراء تقويمٍ لأي وضعٍ أو تطورٍ أو حدثٍ سياسيٍ أو ميداني، لذا ضغطت على نفسي كي أتحرر من تأثير المشاعر على مهنيتي، قبل كتابة المقال الآتي، وكعادتي لن أكترث لسيل الشتائم التي تطاولني وعائلتي.
عام انقضى على سقوط الدولة في سورية، ماذا تغيّر فعليًا، بعد حربٍ كونيةٍ إرهابيةٍ ونفسيةٍ وتجويعيةٍ وتحريضيةٍ غير مسبوقةٍ في تاريخ الحديث، شنت على البلاد السورية ودامت أربعة عشر عامًا، لدفعها الى التخلي عن خياراتها الاستراتيجية، خصوصاً خيار دعم حركات المقاومة والتحرر في المنطقة، غير أن دمشق أبت ذلك، فذاق الشعب السوري فظاعة الإرهاب، ومرارة الحصار التجويعي، ناهيك بالتفكك الاجتماعي والانقسام المذهبي الذي لم يعرفه هذا الشعب في تاريخه... هذه كانت "أولى ثمار ثورة الحرية ضد الاستبداد". ولا بد هنا من الإضاءة قليلًا على "انفجار ثورة الحرية، إثر اقتلاع الأجهزة الأمنية السورية، أظافر أطفال المدارس في درعا في الجنوب السوري، لأنهم كتبوا شعارات ضد الحكومة"، ولكن بعد مضي خمسة عشر عامًا على هذه الرواية التراجيدية المزعومة، أكد أحد "أطفال درعا" آنذاك أي في (العام 2011)، لـ "تلفزيون سورية" التابع لسلطة الأمر الواقع في دمشق، في الأشهر الفائتة، "أنه ورفاقه لم يتعرضوا لقلع الأظافر". بينما لم يأتِ "الغيارى على حقوق الإنسان" على ذكر إقدام "جبهة النصرة في تنظيم القاعدة"، أي (السلطة الراهنة في دمشق) بقيادة أبي محمد الجولاني، على ذبح طفلٍ، يبلغ من العمر عشر سنوات، "بتهمة القتال الى جانب الجيش العربي السوري"، وذلك في 20 تموز من العام 2016، في منطقة حندرات في حلب". وذكرت وكالة “bbc” وقتذاك حرفيًا الخبر الآتي: "انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمسلحين يعتقد أنهم من المعارضة السورية في حلب أثناء قطع رأس طفل في العاشرة من عمره لأنه "يقاتل إلى جانب القوات الموالية للحكومة السورية". ويظهر في أحد المقاطع خمسة رجال يحيطون بالطفل الذي بدا مرعوباً ، فيما أمسك أحدهم بقوة بشعره. وفي فيديو آخر، ظهر الرجل نفسه وهو يقطع رأس الطفل"، ودائمًا بحسب ما نقلت الوكالة البريطانية. هذا "غيض من فيض".
وبعد دخول الحرب الكونية عامها الثالث، وفشلها في إسقاط الدولة السورية، عمل الإعلام المعادي لدمشق، على تسويق "سلوغان- slogan" جديد، في حينه، وفحواه: أن "الرئيس السوري يقتل شعبه"، ولتدعيم هذا "السلوغان"، أدعى هذا الإعلام أن "الجيش السوري استخدم السلاح الكيماوي في غوطة دمشق الشرقية، في آب 2013"، غير أن الصحافي الأميركي الذائع الصيت سيمور هيرش، قال حرفيًا بعد ذلك بأشهرٍ عدةٍ الآتي:
"إن واشنطن عملت على شن هجوم كيميائي في سورية، لتحميل المسؤولية لدمشق, تمهيدا لشن عملية عسكرية ضدها". وأضاف: "إن تقارير للاستخبارات البريطانية أكدت أن الهجوم بغاز السارين لم يأت من القوات السورية, مشيرًا إلى أن واشنطن عقدت اتفاقاً مع بعض العرب وتركيا، يقضي بأن يكون التمويل من هذه الدول، بينما تقوم الاستخبارات الأميركية والبريطانية بالحصول على السلاح الكيميائي من الترسانة الليبية, ونقله الى الإرهابيين في سوريا". سأكتفي بهذا، ولن أستفيض كثيرًا في بحر الأكاذيب والأضاليل.
لم أدع يومًا أن النظام السياسي السابق في دمشق كان مثاليًا على الإطلاق، ولم أقل يومًا إن الحريات السياسة كانت مصونة، إبان حكم البعث، ولكن لم يكن يختلف عن مختلف الأنظمة في العالم العربي، لا بل بالعكس، ظهرت في ظل هذا النظام، حالة نقدية سياسية لاذعة، عبر المسلسلات التلفزيونية، والمسارح، ودور السينما، وليس بوسع أحدٍ نكران هذا الأمر.
بكل واقعيةٍ، لقد صار نظام البعث في سورية بكل حسناته وشوائبه من الماضي، ولكن هل تغيرت مختلف الأوضاع في هذا البلد نحو الأفضل؟
- أولًا، على الصعيد السياسي: هل حلَ مكان النظام السابق، حكم تعددي - تشاركي - مدني، يقبل الرأي الآخر، ولا يكفّر كل من يخالفه الرأي؟
هل بيّض حكم الأمر الواقع الراهن المعتقلات السياسية؟
هل تحكم دمشق "قيادة ثورية جماعية" أم حاكم بأمره؟
- ثانيًا، بالنسبة إلى سيادة الدولة على كامل أراضيها: ألم يصل العدو "الإسرائيلي" إلى تخوم العاصمة السورية دمشق؟
ماذا عن "انفصال" محافظة السويداء وشمال شرق الفرات عن البلاد السورية؟
- ثالثًا، التفكك الاجتماعي والاقتتال المذهبي: هل شهدت سورية في تاريخها حدوث مجازر وجرائم على خلفية مذهبية، كما حدث أخيرًا في حمص، وقبلها في آذار الفائت في الساحل السوري؟
وهل أنهت "سلطة الجولاني" الصراع العربي - الكردي، أو على الأقل وضعت حدًا له؟
- رابعًا، الوضع الاقتصادي: هل تحسّن وضع المواطن، بعد إلغاء الطبابة المجانية التي كانت قائمة في عهد البعث، وبعد رفع تسعيرة الكهرباء 800 %، وهل تحسّن دخل الفرد؟
وأين أصبحت "الاستثمارات الخارجية" فعليًا وواقعيًا؟
- خامسًا، الانفتاح الخارجي على دمشق: نعم لقد شهدت دمشق انفتاحًا دوليًا عليها، بعد إزاحة حكم الرئيس بشار الأسد، لأن بعض الدول الكبري تريد التخلص منه، كي نصل إلى المشهد الراهن، إنهاء محور المقاومة، وحصارها في لبنان وفلسطين، محاولة عزل إيران ضمن حدودها، ثم "إقامة إمارات مذهبية متقاتلةٍ" كأمرٍ واقعٍ، كحال السويداء ومحيطها.
والسؤال هنا: ألم يستكمل هذا "الانفتاح" الصراع الإقليمي والدولي أي (الحرب على سورية)، خصوصاً بين الكيان الصهيوني وتركيا من جهة، وبين الأخيرة وقطر مع المملكة العربية السعودية من جهةٍ ثانية، وبين واشنطن و"تل ابيب" على وضع نفوذ الأخيرة في سورية.
اشتموني ما شئتم: لا بارك الله في "ثورة" أسهمت في وصول العدو "الإسرائيلي" إلى تخوم دمشق (قلب العروبة النابض)، وفي إعطاء رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو الكلمة الفصل.
اشتُموني ما شئتم: لا بارك الله في "ثورة" أسهمت في وصول نتنياهو إلى تخوم دمشق ــ حسان الحسن
السبت 06 كانون الأول , 2025 08:42 توقيت بيروت
أقلام الثبات
لبنان… ومخاطر الدبلوماسية المُسيَّرة أمريكياً ــ د. نسيب حطيط
تعيين سيمون كرم لا يعني أن لبنان سيكون "كرم عَ درب" في التنازلات _ أمين أبوراشد
دولة الغشّ _ عدنان الساحلي