لبنان… ومخاطر الدبلوماسية المُسيَّرة أمريكياً ــ د. نسيب حطيط

السبت 06 كانون الأول , 2025 08:40 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
 منذ عام، وبعد اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان و"إسرائيل"، أطلقت الحكومة اللبنانية مسارها الدبلوماسي لتطبيق الهدنة وتحرير الأرض، وذلك لتعذّر تحقيق ذلك ميدانياً عبر المقاومة المسلحة "مؤقتاً"، أو استعادة قواعد الاشتباك التي حكمت الجبهة اللبنانية بين عامي 2006 و2023. 
صحيحٌ أن الحروب تنتهي بالمفاوضات والمعاهدات والاتفاقات، لأنه لا يوجد حرب بلا نهاية، بل تنتهي بتحقيق أهداف مرسومة، فأهداف المقاومة هي وقف العدوان وتحرير الأرض، بينما أهداف "إسرائيل" تتمثل في احتلال الأرض والسيطرة على الثروات ضمن مشروع "إسرائيل الكبرى"، وهذا يعني أن الحرب "الإسرائيلية" لن تتوقف حتى تحقيق أهدافها، وأن التفاوض بالنسبة لها مجرد تضليل أو محاولة لتحقيق أهدافها دون تكبد أثمان وخسائر. 
أجمعت القوى السياسية اللبنانية، بما فيها قوى المقاومة، على تأييدها وتعاونها مع المسار الدبلوماسي للحكومة، لتحقيق الأهداف الوطنية، لكن اللافت هو أنه لم يتم توظيف أوراق القوة التي يملكها لبنان (سلاح المقاومة والوحدة الوطنية)، لدعم هذا التوجه والأسئلة المطروحة.
 هل تدعمون دبلوماسية وطنية حرة ومستقلة، أم دبلوماسية مُسيَّرة ومأمورة من أمريكا؟
 هل تؤيدون الدبلوماسية المقاومة /أم دبلوماسية المساومة والاستسلام؟ 
هل تدعمون دبلوماسية غامضة وغير واضحة المعالم؟ 
لا يجادل أحد في أن ما تقوم به الحكومة اللبنانية "قناعة أو إكراهاَ" هو تنفيذٌ لإملاءات وأوامر وإنذارات أمريكية تحت غطاء النار الإسرائيلية، وتحت حصار عربي يُقدَّم كـ"نصح أخوي" وتحذير من الأسوأ والسؤال الجوهري لقوى المقاومة التي تؤيد العمل الدبلوماسي للحكومة وتتعاون معها ..
 هل أنتم شركاء فاعلون في صنع القرار التفاوضي، أم مجرد شهود مهمّشين؟ 
هل تملكون حق النقض (الفيتو) على قرارات الحكومة ، أم أنكم تشاركون بصفتكم مراقبين بلا صوت، كما حدث في قرار نزع السلاح الذي أُقر وأنتم شركاء في الحكومة، أو كما قيل بخصوص تعيين مدنيين في لجنة الآلية (الميكانيزم) حيث لم تكونوا شركاء في التسمية أو القرار؟ 
هل تأييدكم للدبلوماسية اللبنانية في إدارة ملف الاحتلال ووقف الحرب على لبنان هو تأييد مطلق بلا قيد أو شرط ... وإذا فرضتم شروطكم، فهل تتجاوب الحكومة معها؟
لقد ذكرتم سابقاً وتؤكدون الآن أنكم تتعاونون مع الدبلوماسية الرسمية التي تحصد فشلاً بعد فشل وماذا سيكون موقفكم لو أقرّت هذه الحكومة، وفق مسارها الدبلوماسي _ وهو أمر ممكن نتيجة الضغط الأمريكي_، بأن مزارع شبعا ليست لبنانية، بعدما بادرت 
بعض الشخصيات والقوى السياسية اللبنانية، بالتمهيد لذلك أو بطلب من النظام السوري الجديد المأمور أمريكياً،... فهل ستؤيدون الدبلوماسية اللبنانية وقراراتها؟
إن المفاوضات الجارية، ووفقاً لبيان السفارة الأمريكية، تمثل بداية "حوار مدني مستدام" لتعزيز السلام على جانبي الحدود، بالتزامن مع إعلان" نتنياهو" بدء محادثات للتبادل الاقتصادي مع لبنان، خاصة فيما يتعلق بجنوب لبنان ،كخطوة أولى لتثبيت منطقة ترامب الاقتصادية المُقترحة، فهل ستستمرون في التعاون والتأييد، للدبلوماسية اللبنانية؟
نحن نعلم جميعاً أن الحكومة اللبنانية ليست حرّة  في اتخاذ قرارات مستقلة تحفظ القضايا الوطنية، بل تم تنصيبها ،لتنفيذ أهداف وضعتها أمريكا وإسرائيل وهذه الحكومة لا تملك القدرة، لا عسكرياً ولا سياسياً، على رفض مطالب أمريكا وبعض دول الخليج وإن تحميل الحكومة مسؤولية ما يجري ومحاولة تحميل المسؤولية لـ"الشبح - الدولة" كما يحدث هو أمر غير واقعي، فإذا كانت الدولة اللبنانية مسؤولة عن أي خسارة أو تضييعٍ للحقوق الوطنية، فإنكم تتحملون جزءاً من المسؤولية، لكونكم شركاء في هذه الدولة على مستوى الحكومة ومجلس النواب ومؤسساتها.
صحيحٌ أننا نعيش أوضاعاً استثنائية وصعبة، وحصاراً خانقاً وتهديداً وجودياً، وحرباً متوحشة لم تتوقف من اغتيالات وقصف، لكن هذا لا يبرر الأداء الضعيف والضبابي والمقصّر في إدارة الأزمة، وذا استمر هذا النهج، فإننا "سنخدش" بعض ثوابت العقيدة وسنستيقظ على اتفاق أسوأ من اتفاق 17 أيار، وعلى إقرار بالتطبيع مع إسرائيل، ولن ينفعنا صراخنا ولا قولنا بعد ذلك بأننا خُدعنا!
ينتظر "أهل المقاومة" إجابات شافية على هذه التساؤلات لتحديد مصيرهم ومستقبلهم، سواء كان ذلك بالعودة إلى قراهم المدمّرة أو البقاء في قراهم المعرّضة، لخطر القصف وقد دخلوا عامهم "الثالث" في حرب قد يمتد أمدها إلى "عشرية سوداء" أو أكثر!
 إن الوضوح والصراحة ومناقشة قضايا الطائفة ومستقبلها هي مسؤولية جماعية وليست مسؤولية شخص أو تنظيم أو دولة محددة...نعم للمسار الدبلوماسي الوطني "كخيار مؤقت متاح"... ولا للدبلوماسية "المُسيّرة والمُستسلمة..


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل