تعيين سيمون كرم لا يعني أن لبنان سيكون "كرم عَ درب" في التنازلات _ أمين أبوراشد

الجمعة 05 كانون الأول , 2025 08:28 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

أخذت مسألة تعيين السفير السابق المحامي سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني إلى اجتماعات "الميكانيزم" (اللجنة التقنية العسكرية للبنان)، أكثر مما تستحق من الجدل اللبناني البيزنطي الذي لا فائدة منه، خصوصاً أن المحامي كرم لا ينتمي لأية جهة سياسية أو حزبية، وتعيينه جاء بتوافق بين رئيس الجمهورية ورئيسيّ المجلس النيابي والحكومة، وهو بالتالي يمثل لبنان الرسمي ويعمل ضمن توجهات رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعاً.

تعيين كرم جاء مفاجئاً فقط على المستوى الإعلامي، كون اسم الدكتور بول سالم كان متداولاً لتكليفه بهذه المهمة، ولا فرق بين هاتين الشخصيتين المُستقلتين، كون كليهما يمتلكان الكفاءة العالية في التفاوض، وغير مقيَّدين بأية التزامات فئوية، بل بالقرار اللبناني الرسمي ضمن حدود التفاوض حول أطر تقنية محددة، لن تقارب الأمور السيادية التي لم يتخلَّ لبنان عنها في أقسى مراحل ضعفه الماضية.

ثم إنها ليست المرة الأولى التي ينضمّ فيها شخص مدني إلى وفد تفاوضي عسكري لبناني، فقد سبق وحضر مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير لأحد الاجتماعات التفاوضية، والعضوان المدنيان الخبيران وسام شباط ونجيب مسيحي شاركا إلى جانب العميد بسام ياسين والعقيد مازن بصبوص في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، بما يعني أن تشكيل أي وفد تفاوضي لبناني مع العدو في محادثات محض تقنية ضمن "ميكانيزم" دولي، هو هيكلة محض لبنانية، واستعانة بكفاءات وخبرات قانونية مدنية إلى جانب العسكرية لتعزيز قدرات أي وفد وطني، ولا يعني تكليف سيمون كرم كشخص مدني أن لبنان بلغ مرحلة ضعف تخلى فيها عن البندقية لصالح الكلمة القانونية، وأنه أصبح "كرم على درب" للصهيوني وشروطه. 

وأشارت مصادر وزارية مقرّبة من رئيس الجمهورية إلى أنّ الخطوة الرئاسية بتعيين كرم لا تعني تعديل صلاحيات ومهمة الوفد اللبناني، ولا الانتقال إلى مفاوضات مباشرة، ولا فتح مسار السلام والتطبيع مع العدو "الإسرائيلي"، كما لا تعني التنازل عن الحقوق والسيادة والمصالح اللبنانيّة، وذكر الرئيس عون في جلسة الحكومة يوم الخميس الماضي، أن تعيين شخص مدني كان بالتنسيق مع الرئيسين بري وسلام وأن التشاور لم يقتصر على فكرة إضافة المندوب، بل على اختيار السفير كرم نفسه، وبرّر عون الخطوة بأن لكرم تجربته في المفاوضات مع "إسرائيل" بمؤتمر مدريد، في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وقد يقول قائل إننا بتنا نعيش في الزمن "الإسرائيلي" على امتداد الشرق الأوسط، بعد الذي حصل في فلسطين ولبنان وسوريا، من "انتصارات" حققها هذا العدو، لكن هذا الشرق دخل "الزمن الإسرائيلي" منذ تطبيع بعض العرب، ثم في وقوفهم متفرجين على ما يحصل في غزة من قتل لعشرات آلاف المدنيين، ومن نحر للقضية الفلسطينية، خصوصاً في الحصار الذي شاركوا به لمنع وصول كسرة خبز وقطرة ماء وجرعة دواء لأبناء غزة، ولبنان لم يكن يوماً من ضمن هؤلاء "العرب" رغم الأعباء التي تحملها والأثمان التي دفعها نيابة عنهم.

وقد يكون من حق اللبنانيين الشعور بالخوف من أن تؤدي المفاوضات مع العدو "الإسرائيلي" إلى تنازلات من الجانب اللبناني مقابل السلام، خصوصاً أن سوريا - الدولة الأكبر - تسعى لهذا السلام ولكن، الوضع اللبناني بات يختلف عن الوضع السوري في كل شيء، وتحديداً جنوب البلدين على الحدود مع الاحتلال "الإسرائيلي".

في إجابته حول السلام بين سوريا و"إسرائيل" خلال محاضرته بإحدى جامعات باريس في شهر أيلول الماضي، قال العميد مناف طلاس ما معناه: كيف يمكن توقيع معاهدة سلام بين بلدين غير متكافئين، لم يعد لدينا جيش في سوريا ولا نملك شيئاً.

في الجنوب السوري سوف تنشأ "دويلة صديقة" اسمها "جبل الباشان"، وفي الجنوب السوري حماية دولية لهذه الدويلة ولأمن "إسرائيل"، وفي الجنوب السوري سوف يعبر "ممر داود"، لتحقيق جزء من حلم الصهاينة "من الفرات إلى النيل" وقد يتشظى لبنان جراء ذلك، ولكن لبنان يمتلك جيشاً وطنياً لا يرتبط بنظام، ويمتلك مقاومة من السخافة الاعتقاد أن نزع سلاحها يمكن أن ينزع فكرها من عقول وقلوب بيئتها، وطالما هناك احتلال لقرية لبنانية واحدة ستكون هناك مقاومة بكل الوسائل المُتاحة، وهذه الوسائل ستبقى مُتاحة، ولن يكون لبنان لا من الجنوب ولا من الشرق "كرماً على درب" لأحد.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل