حزب الله.. الصمت الاستراتيجي أو الرد المؤجل - حمزة حسين

الجمعة 28 تشرين الثاني , 2025 10:35 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يرى مراقبون دوليون لما يحصل من عدوان "إسرائيلي" على لبنان أن "صمت" حزب الله ليس استسلامًا أو عجزًا، بل هو قرار استراتيجي ومحسوب بدقة، تحكمه ضوابط معقدة للغاية، تتعلق بتوقيت ومكان ونوع الرد.
لكن، إلى متى سيبقى هذا الصمت؟ يبقى حتى اللحظة التي يرى فيها الحزب أن الرد سيخدم مصالحه الاستراتيجية العليا، أو عندما يرى أن تكلفة عدم الرد أصبحت أكبر من تكلفة الرد. إن العوامل التي تفسر "الصمت الاستراتيجي "يقوم قرار عدم الرد المباشر أو المتسرع على عدة اعتبارات جوهرية.
أولاً: منع التدهور نحو حرب شاملة، فالهدف الأسمى للحزب حاليًا هو تجنب الانزلاق الكامل نحو حرب إقليمية واسعة مدمرة، حيث ترى "إسرائيل" أن الهدف من الاغتيالات هو استدراج الحزب لرد فعل "غير متناسب"، يبرر لها توسيع عملياتها العسكرية لشن حرب شاملة على لبنان. لذلك، فإن الامتناع عن الرد المفتوح يحافظ على هامش المناورة ويقطع الطريق على هذا السيناريو الإسرائيلي.

ثانياً: الحفاظ على بنك الأهداف الاستراتيجية (الرد النوعي). القيادات العسكرية للحزب تؤكد أن حق الرد محفوظ، لكنه سيأتي "في الزمان والمكان المناسبين", وهذا يعني أن الحزب يريد أن يكون رده ذا قيمة استراتيجية عالية (كضرب أهداف حساسة في عمق الكيان بصواريخ دقيقة), وليس مجرد رد تناسبي على كل عملية اغتيال فردية, فالحزب يفضل الحفاظ على هذا "السلاح" الأقوى كسلاح ردع شامل، بدلاً من إهداره في "تبادل للضربات" يخدم فقط أهداف "إسرائيل" في استنزافه.

ثالثاً: تفادي شرعنة المزيد من الاغتيالات. الرد المباشر والقوي على كل عملية اغتيال سيبرر "لإسرائيل" شن المزيد من عمليات التصفية بحجة "تثبيت قواعد الاشتباك", بعبارة أخرى: استجابة الحزب تمنح العدو الشرعية للاستمرار في سياسة استهداف القيادة العسكرية والأمنية.

رابعاً: الحاجة لإعادة التموضع والترميم. بعد الخسائر القيادية والبنيوية الكبيرة التي تعرض لها الحزب (بما في ذلك اغتيال قيادات بارزة)، فإن الأولوية الآن هي لإعادة بناء الهياكل القيادية والتحصينات الأمنية التي استهدفتها "إسرائيل" في مناطق نفوذ حزب الله (مثل الضاحية الجنوبية لبيروت).

متى قد ينكسر "الصمت"؟ سيناريوهات الرد:
على الرغم من الصمت الحالي، إلا أن الرد قد يأتي في إحدى الحالات التالية:
أولاً: الرد المزدوج على جبهة غزة إذا قرر الحزب ربط الرد على الاغتيالات بإنهاء الحرب في غزة، فإنه قد يرد بقوة إذا ما استأنفت "إسرائيل" هجومها على القطاع.

ثانياً: تعرض القيادة الإيرانية لضربة مباشرة، فالحزب جزء من "محور المقاومة" الذي تديره طهران. قد ترى إيران أن التهديد أصبح وجوديًا ومباشرًا عليها، فتتجه الى رد استراتيجي من كل الجبهات، بما فيها لبنان.

ثالثاً: استهداف الأهداف غير الشخصية. إذا قررت "إسرائيل" تصعيد عملياتها لتشمل ضربات ضد بنية تحتية لبنانية حيوية، أو مواقع عسكرية لبنانية غير تابعة للحزب، فهذا قد يدفع بالدولة اللبنانية والحزب نحو رد فعل.

رابعاً: اغتيال شخصية من الصف الأول جدًا، رغم اغتيال قادة كبار، فإن استهداف شخصيات تمثل رمزية خاصة أو "العمود الفقري" للمقاومة قد يكسر حدود التحمل.

في الوقت الحالي، يسعى حزب الله للحفاظ على "قلق العدو من الرد"، ”فليبقَ العدو قلِقاً من ردّنا"، وهو بحد ذاته شكل من أشكال الردع، دون أن يدفع المنطقة إلى ما هو أبعد من العتبة التي لا يمكن العودة منها.
هذا الاستنتاج يعكس جوهر استراتيجية "حزب الله" الحالية في إدارة الصراع خارجياً وتثبيت المعادلات داخلياً.
إن الحزب يوازن بدقة بين جبهتين متناقضتين جبهة الردع مع "إسرائيل"، وجبهة الحفاظ على هويته ودوره كقوة لبنانية ذات تأثير في الداخل اللبناني.

صمت "حزب الله" على الاغتيالات المتكررة لقياداته، والتي كان آخرها استهداف السيد هيثم الطبطبائي؛ رئيس اركانه، هو تكتيك يهدف إلى إدارة المخاطر بدلاً من تفاديها بالكامل، والامتناع عن الرد المباشر والقوي يهدف إلى منع "إسرائيل" من تحقيق ذريعتها لشن حرب شاملة وتدمير البنية التحتية اللبنانية، لذلك يفضل الحزب عدم استنزاف قدراته الاستراتيجية (الصواريخ الدقيقة) في "تبادل للضربات" الذي يخدم "إسرائيل"، بل الاحتفاظ بالرد النوعي للحظة التي يراها ضرورية لتحقيق هدف أكبر، أو لوقف تهديد وجودي أكبر.
حتى مع الاغتيالات، لا يزال الحزب يرى أن تكلفة هذا "الصمت" أقل من تكلفة حرب مدمرة، خصوصاً في ظل عمله على إعادة هيكلياته وتنظيم صفوفه بما يتناسب مع المواجهة القادمة والاستفادة من المرحلة السابقة.

في المقابل، يتصاعد الضغط الداخلي والدولي على الحكومة اللبنانية لـتطبيق مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة، لكن الحزب منذ البداية وافق على الهدنة وإيقاف العمليات العسكرية وربط ملف حصرية السلاح بملف الانسحاب الصهيوني من الأراضي اللبنانية وعدم استهداف لبنان, رغم حجم الضغط الإعلامي للقوى المعارضة للحزب وتحركاتهم الدبلوماسية التي تجهضها الاعتداءات الصهيونية المستمرة يبقى الحزب متمسكاً بخياراته.
ان سلاح حزب الله هو "سلاح مقاومة" ضد الاحتلال، ولا يمكن التنازل عنه إلا بضمانات دولية غير متوفرة لغاية الان، لا من دول عظمى ولا من وسطاء, وعليه فان فكرة تسليمه مرفوضة قطعاً لدى الحزب، وهذا ما تكرر دائماً في تصريحات قادته ومسؤوليه، لذلك يربط الحزب سلاحه بالدفاع عن لبنان ضد التهديد "الإسرائيلي"، الذي لا تستطيع الدولة اللبنانية أن تواجهه بمفردها، بسبب عدم تجهيز الجيش اللبناني، وهو ما يمنحه غطاءً شرعياً لرفض نزع السلاح بشكل كامل.
بهذا، ينجح الحزب في تحييد المخاطر الخارجية مؤقتاً بالصمت المحسوب، وفي الوقت نفسه تثبيت أوراق قوته الداخلية برفض التنازل عن سلاحه، مما يجعل لبنان في حالة دائمة من التوازن الهش بين حرب مؤجلة ونظام سياسي تائه بين أروقة الشرعية الدولية. 
في الخلاصة، الرد قادم، وان تأخر فهو "مصير محتوم"، وربما يحمل عدة أوجه، الا ان المتفق عليه انه سيغير الاحداث والاستراتيجيات، وربما سيؤدي الى اختفاء دول، لكن الثابت الوحيد ان المقاومة باقية ونصرها حتمي.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل