سقوط المطبِّعين _ عدنان الساحلي

الجمعة 28 تشرين الثاني , 2025 08:04 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

​لطالما راهن معارضو التسويات التفريطية واتفاقيات الاستسلام، على صلافة العدو "الإسرائيلي"؛ وعلى تمسكه بمشروعه التوسعي الإلغائي، مقابل خضوع أنظمة وحكاماً عرباً أمامه؛ وأمام الإملاءات الأميركية والغربية، التي ترعى المشروع الصهيوني، منذ أن تم توجيهه نحو فلسطين والبلاد العربية، خدمة لأطماع الدول الغربية، في سعيها الدائم لاحتلال بلادنا وفرض نفوذها عليها، لنهب ثرواتها الكثيرة؛ وللإمساك بموقعها الجغرافي، وسط العالم ونقطة تلاقي القارات.

​ ويتكرر المشهد كلما شهدت المنطقة هجمة معادية، لتكريس وجود الكيان الذي يحتل فلسطين ويقتل شعبها ويشرده، أو كلما ارتفعت شعلة مقاومة لم تخبوا أبداً، منذ أن نفذت مؤامرة إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، عبر إنشاء الكيان المعادي فوق ارض فلسطين، بدعم مباشر من دول الاستعمار القديم؛ ومن دول الهيمنة والتسلط والنهب الجديدة.

​وهذه الأيام يتكرر المشهد وساحته لبنان، لفرض انضمامه إلى دول التطبيع العربية، المسماة زوراً "الحضن العربي"، التي تغطي استسلام حكامها وخضوعهم لسياسة الاستتباع الأميركية، التي تستعمل العصا "الإسرائيلية"، أو تحضر شخصياً، ببوارجها وحاملات طائراتها وجنود المارينز، أو متعددو الجنسيات، عندما تدعو الحاجة. وهذا حصل في مناسبات تحفظها ذاكرة شعوب المنطقة وآخرها في اليوم التالي لعملية "طوفان الأقصى" الفلسطينية.

​ وهذه الأيام يتقاطر مبعوثون عرباً وأجانب، على لبنان؛ وكل منهم يحمل نصائح او تهديدات، أو أفكاراً في أحسن الأحوال، يطرحها، على رؤوس السلطة في لبنان، أو يفرضها عليهم، لا فرق، مثلما حدث مع "أفكار" المبعوث الأميركي، اللبناني قليل الأصل، توم براك، الذي بصمت حكومة نواف سلام، بأكثرية وزرائها في الموافقة عليها، بحضور وموافقة رئيس الجمهورية جوزاف عون.

​ولسخرية القدر وسخافة المبعوثين ومن أرسلهم، فإن ما يطلبونه من لبنان، هو فوق طاقة اي مسؤول لبناني على تلبيته، ليس فقط لأن الواقع اللبناني ليس مطواعاً لهذه الدرجة من التنازلات، بل لأن ما يطلبه العدو وما سبق أن جربته أنظمة الخضوع والتبعية والاستسلام، لا يشجع سوى الجبناء وفاقدي الكرامة والرجولة على القبول به.

​ولذلك، تسهيلا لهذا الخضوع والاستسلام المهين، يتم طرح أولوية نزع سلاح المقاومة، بما يجعل لبنان عارياً أمام العدوانية "الإسرائيلية"، فإذا كانت حجة البعض ان سلاح المقاومة لم يحم قادتها ولم يردع العدو عن حربه التدميرية، فإن جيشنا الوطني، بفضل القرار السياسي الرسمي التبعي، عاجز أكثر من المقاومة، فهو لم يحرر المالكية ولا هونين وغيرها من البلدات اللبنانية، التي احتلها العدو عام 1948. وهو لم يواجه انشقاق بعض ضباطه وجنوده؛ وانضمامهم إلى العدو في ما سمي "جيش لبنان الجنوبي" العميل، فتولت المقاومة شطب ذلك الجيش من المعادلة الوطنية. وهو لم يدافع عن ضباطه وجنوده، الذين قتلهم العدو "الإسرائيلي"، خلال حربه الأخيرة على لبنان، فهل هذا عذر لإلغاء الجيش الوطني واسقاط أهم مؤسسة تجمع وتوحد اللبنانيين وتحمي دولتهم؟

​الحقيقة أن دعاة التسليم والتطبيع غائبون عن الواقع، فأي حر وصاحب كرامة يقبل أن يقال له "إما التسليم أو الجحيم"؟ أو يقبل بما قاله براك من أن "هناك طرف قوي وطرف عليه ان يستسلم"، لأن المطلوب إلغاء أي مقاومة او قوى مسلحة، ليقبل "الإسرائيلي" والأميركي بهدنة أو سلام مؤقت، وهذا هو واقع الحال في غزة ولبنان، لكن تسليم السلاح يعني، حسب التجارب القريبة والبعيدة، أن القتل سيطال كل من رفع رأسه في وجه الغزو الصهيوني والهيمنة الأميركية.

​وعلى التطبيعيين أن لا ينسوا أن مصر سالمت العدو "الإسرائيلي" مقابل وعود سعودية واميركية بالمنّ والسلوى، وها هي مصر تنوء تحت ديون تفوق 165 مليار دولار؛ وهي على حافة الإفلاس، والبطالة تطحن ربع قواها الشبابية العاملة. وأردن وادي عربة عاجز عن تأمين مياه الشرب لشعبه، ناهيك عن حياة الرفاهية الموعودة. وسورية التي تخلصت من نظام البعث وبشار الأسد، باتت تحت احتلالات "إسرائيلية" وأميركية وتركية، تمسك بثلاثة ارباع مساحتها، فيما الفتن الطائفية والعرقية تفتك بشعبها، وهذا هو ما يراد للبنان بعد نزع سلاح المقاومة، في سقوط مريع للمستسلمين والتطبيعيين، بل ولمشروع التطبيع برمته، لأنه يقدم تنازلات قاسية ومجانية، اللهم سوى حماية مؤقتة لأنظمة التبعية والاستسلام، ستنتهي بعد انتهاء دور ووظيفة تلك الأنظمة. وبعد أن كان شعار العرب والفلسطينيين تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، بات مطلب التطبيعيين إقامة شبه دولة فلسطينية، مقابل التطبيع، لكنهم يعلمون أن إقامة دولة فلسطينية، مرفوض "إسرائيلياً" واميركياً، لأنه مسألة حياة وموت للمشروع الصهيوني، الذي لا يخفي جديته بإقامة "إسرائيل" الكبرى والعظمى.. ألم تسمعوا وحش التسلط العالمي، دونالد ترامب، يقول إن "إسرائيل" ضيقة المساحة ويجب توسيعها؟ فما رأي دعاة التطبيع والاستسلام بهذا الذل والانسحاق الذي يفرضه عليهم سيدهم الأميركي والبلطجي العامل لديه "إسرائيل"؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل