خاص الثبات
لم يعد في البلد متّسع للمسايرات ولا للمواقف "الرمادية". زمن الصمت انتهى، وزمن كشف الوجوه الحقيقية بدأ. فكل من يصطفّ اليوم خلف روايات مفبركة، ويبني عليها حملات منظمة ضد المقاومة، إنما يختار بملء إرادته الوقوف في صفّ العدو، مهما حاول التجمّل بشعارات السياسة أو التذاكي الإعلامي.
العدوان الإسرائيلي ينهش الضاحية، يسقط شهداء وجرحى، والسماء تمطر نارًا فوق البيوت، لكن البعض لا يرى إلا خبراً كاذباً تبثّه منصة مشبوهة، فيلتقطه كالغريق المتشبّث بفرصة للانقضاض على المقاومة. هؤلاء لا ينتظرون التحقق ولا التثبت؛ يكفي أن تكون التهمة موجهة للمقاومة ليهرعوا لنسخها ولصقها على حساباتهم وكأنّهم في سباق محموم لخدمة أجندة واضحة.
السؤال لم يعد: من أين أتوا بالخبر؟
السؤال الحقيقي: لماذا هذا الجوع المحموم لضرب المقاومة؟
لم تمضِ دقائق على فبركة التصريح المنسوب إلى رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، حتى انطلقت الجوقة نفسها التي اعتدنا ظهورها عند أول شرارة خبر مشبوه. جوقة سياسيين وإعلاميين يتحيّنون أي فرصة – ولو كانت كذبة مكشوفة – لشنّ حملة منظمة على المقاومة، بدل أن يوجّهوا بوصلتهم نحو العدو الذي يقتل اللبنانيين ويقصف أحياءهم.
في طليعة هؤلاء جاء سامي الجميّل، الذي سارع إلى إعادة نشر الخبر من مصدر غير موثوق على حسابه في “إكس”، مستغلًّا الرواية المفبركة ليطلق اتهاماته المعهودة.
من بعده ظهر اعضاء في ميليشيا القوات اللبنانية، الذين بنوا خطابهم بالكامل على الكذبة نفسها.
وما لبثت أن التحقت بهم الحية الرقطاء ديما صادق – التي لا تخفي عداءها المعلن للمقاومة – بتعليق ساخر على شاكلتها.
حتى بعد الاستهداف كثرت الاسماء والعهر السياسي واحد وهنا لا ننسى الطامح لرئاسة الحكومة المدعو فؤاد مخزومي.
المفارقة أنّ هؤلاء أنفسهم، حين يتعرض البلد لعدوان إسرائيلي حقيقي، يسقط فيه شهداء وجرحى من أبناء الضاحية وسائر المناطق، تصبح لغتهم خافتة، مترددة، مملوءة بالتبرير أو الصمت. ينتقدون الضحية، ويهادنون المعتدي.
لقد انكشف المشهد. فريق كامل من سياسيين وإعلاميين يعيش حالة استعداد دائم لتبنّي كل ما يسيء للمقاومة، بينما يتحوّلون أمام جرائم الاحتلال إلى أصوات هامسة، خافتة، كأنّ الدم اللبناني لا يعنيهم، وكأنّ صواريخ العدو تمرّ فوق رؤوسهم مرور الكرام.
هؤلاء ليسوا مجرد خصوم سياسيين. هؤلاء مشكلة وطنية.
لأنّ من يساوي بين المعتدي والمعتدى عليه، ومن يهاجم من يدافع عن البلد فيما يعفي من يدمّره، إنما يضع نفسه خارج المنطق، وخارج الوطنية، وخارج الكرامة.
لم يعد مقبولًا أن يختبئوا خلف صفاتهم ومناصبهم وحساباتهم.
لم يعد مقبولًا أن يتحوّلوا إلى أبواق جاهزة، أو إلى صدى لروايات الاحتلال.
ولم يعد مقبولًا أن يسير العدوان في الخارج، بينما يتولى بعض الداخل مهمة التضليل والتشويه.
من الآن فصاعدًا، يجب قول الأمور كما هي:
سنكشفهم. سنعرّي خطابهم. سنفضح ارتباطهم بالرواية الإسرائيلية مهما حاولوا الاختباء خلف “الانتقاد السياسي”.
فالاعتداء على المقاومة في زمن الحرب ليس رأيًا سياسيًا؛ إنه تموضع في الخندق الخطأ.
إنّ هذه اللحظة الحرجة لا تحتمل الغموض.
إمّا أن تكون مع بلدك حين يتعرض للعدوان،
وإمّا أن تختار الاصطفاف في صفّ من يقصفه.
ولا منطقة وسطى بينهما مهما حاولوا اختراعها.
خطة ترامب للسلام في أوكرانيا.. الهواجس الأوروبية كبيرة ــ د. ليلى نقولا
أولوية واجبات المقاومة حفظُ وجودها ــ د. نسيب حطيط
أحمد الشرع... تعدد الولاءات الخارجية يجعل منه والياً بلا ولاية _ أمين أبوراشد