أحمد الشرع باع سوريا بزجاجة عطر! _ أمين أبوراشد

الأربعاء 26 تشرين الثاني , 2025 04:34 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

صديق الكلّ عادةً، ليس صادقاً مع ذاته ولا مع الكلّ.. زار موسكو ومن بعدها واشنطن، الكرملين لم يسمح له باستخدام المصعد، وصعد الدرج الطويل نحو "عرش بوتين"، فيما سيد البيت الأبيض أدخله ربما من "باب الخَدَم" الجانبي وليس من المدخل الرئيسي، رغم أن الشرع حمل للرئيس الأميركي هدايا من أغلى مقتنيات التراث السوري، لا بل حمل له خارطة كل سوريا.
عاد من موسكو إلى دمشق بتعهدات قاسية على بلاده الذاهبة إلى المزيد من التمزُّق، وعاد من واشنطن بزجاجة عطر يُنعش بها خيبته. 
ما حصل في حمص منذ يومين من أعمال انتقامية غوغائية بحق العلويين، إثر جريمة قتل مواطن من عشيرة بني خالد وزوجته في جنوب المحافظة، ووجود كتابات طائفية على جدران منزلهما، ربما يشبه إلى حد كبير ما حصل في جرمانا وصحنايا، نتيجة تسريب فيديو لشخص ينال من الرسول محمد (عليه السلام)، حيث لا الشخص المزعوم كان من الطائفة الدرزية، ولا مَن ارتكبوا جريمة قتل الزوجين من عشيرة بني خالد هم بالضرورة من العلويين، ولم يُقبض أصلاً على أحد، لتبرر هذه العشيرة عدوانيتها وهمجيتها في الاعتداء على البشر والحجر بحق العلويين والأرمن؛ قتلاً وتدميراً وتهجيراً، خصوصاً في أحياء المهاجرين والعباسية ووادي الذهب، مما أعطى لأحداث حمص بعداً طائفياً متعمداً لترهيب الأقليات.

عشيرة بني خالد هي من كبريات العشائر السُّنية السورية، وعندما ترتكب خطيئة طائفية بهذا الحجم، فهي تبعث برسالة سلبية إلى الأقليات والسُّنة المعتدلين، أو أنها مكلَّفة بإيصال هذه الرسالة بهدف الضغط العسكري على بعض الجماعات المتداخلة ديمغرافياً في مناطق محافظة حمص، ورسالتهم أوضح من سواها، بدل أن يرمي الرأي العام السوري عموميات الاتهام؛ كما حصل في الساحل، وتم تحميل الجريمة للأجانب دون سواهم، أو كما حصل في السويداء وتم اتهام البدو والعشائر العربية مجتمعة، وهذه إهانة لشرائح واسعة من القبائل والعشائر التي لم تكن طرفاً ولا تريد أن تكون طرفاً في الحرب الطائفية. 
قد يتساءل البعض عن هذا الكمّ من الأسلحة لدى العشائر السُّنية، ويتناسون أن أسلحة الجيش العربي السوري قد باتت بين أيديهم، لأن ما بين 70 الى 80% من عناصر هذا الجيش كانوا من أبناء الطائفة السنية، وعندما أعلن أحمد الشرع حلّ هذا الجيش، ذهب الآلاف منهم بسلاحهم المتوسط والخفيف واحتمى كلٌّ بعشيرته، وكما تحوَّل الجيش العراقي بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين إلى "دواعش"، بات الجيش السوري بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد جيوشاً فصائلية عشائرية مسلحة، واعتقد الشرع أن بإمكانه طائفياً الاعتماد؛ عليها كما حصل في الساحل والسويداء، لكن استفراد هيئة تحرير الشام بالحكم، من رأس الهرم إلى آخر شيخ منطقة أو دائرة حكومية، جعل أبناء الطائفة السنية يعيدون حساباتهم من جدوى الانغماس في الانتحار السياسي.
لعل أخطر ما في مجازر حمص، أن كامل هذه المحافظة الواسعة بمدينتها وأريافها "منطقة نزاع طائفي" في معركة تقسيم أو تقاسم سوريا، لأن العلويين اعتبروها ضمن إقليمهم المستقبلي (وسط وغرب سوريا)، و"سُنَّة أحمد الشرع" يعتبرونها من حقهم، كونها المنفذ الوحيد لهم إلى مدينة طرابلس اللبنانية؛ ليغدو الإقليم السنِّي "شاطئياً"، وتنفتح كل من دمشق وتدمر عن عزلة العداوة مع الجنوب السوري والساحل، لكن بمعزل عن تطرف بعض العشائر السنية، هل يرضى سنة سوريا في حلب وحمص وحماه ودمشق بتمزيق بلادهم ويكون لهم إقليم داخلي مُحاصَر من باقي المكونات السورية؟ والجواب: "مَن يحرر يقرر"؛ كما يقول أحمد الشرع، وعلى سنة سوريا أن يحرروا أنفسهم من سلطة حمقاء كهذه، وأن يستعيدوا مبادرة تحرير سوريا عبر البدء بعصيان مدني في كافة القطاعات حتى إسقاط حكومة اللون الواحد.

ورغم ما عانته الأقليات في سوريا، فإنها تستمر في الرهان على الطائفة السنية لقيادة البلاد ضمن نظام "لا مركزي"، سواء كان في قيادة البلاد سُني عربي أو سُني كردي، ولو أن الثاني بات مطلباً للأقليات، نتيجة الأداء المعتدل وقبول الآخر لدى الأكراد، وامتلاكهم حالياً الجيش الذي بإمكانه مواجهة المتطرفين والأجانب، لكن تبقى هناك عقدة "إنهاء خدمة" أحمد الشرع بأقل قدر من الدماء السورية، ولا بأس لو دخل القصر الجمهوري رجل سُني عاقل شبيه بمظلوم عبدي أو مناف طلاس.

وما بات يلحظه المتابعون للوضع السوري، أن أميركا طلبت من أحمد الشرع ما سيجعله محمد مرسي جديد، وأن الشروط الأميركية مستحيل تحقيقها على يده، وقسمة الهيمنة على الأرض قد حُسِمت، بين أميركا وروسيا من جهة، وبين تركيا و"إسرائيل" من جهة أخرى، خلال اللقاءات الماراتونية على طاولة "قالب الحلوى السورية"، مع غياب ملحوظ للدورين القطري والسعودي، على قاعدة "بوجود الأصيل ينتفي دور الوكيل"، وقد تكون "سوريا الاتحادية" سياسياً خارج جامعة الدول العربية، بدءاً من شطب كلمة العربية من اسمها، لأن الأكراد باتوا القوة الأكبر التي تتربع على منابع نفط وخيرات سوريا، وفي قلوب أقليات لا تطلب سوى الحماية من شر التطرف.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل