العلويّون... ومخاض الولادة الجديدة في سوريا ــ د. نسيب حطيط

الأربعاء 26 تشرين الثاني , 2025 09:46 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
 يواجه العلويّون السوريون مخاطر وجودية تتعلق بالعقيدة والديمغرافيا، نتيجة فراغ سياسي وأمني شامل أعقب سقوط النظام الذي كان يُعتبر علوياً، وغياب أي راعٍ أو حليف، بالتزامن مع سعي الجماعات التكفيرية، ومجموعات من الشعب السوري "السني"، للانتقام، بحجة التخلص من نظام حكم 50 عاماً ووُصف بأنه علوي، رغم أن جيشه ووزراءه ومسؤوليه وحكومته وكل أجهزته كانت تضم غالبيتها من أهل السنة!
صمت العلويون السوريون مدة عام كامل على المجازر والاعتقالات، وما صاحبها من خوف ورعب ولا يزال أبناؤهم من جنود وضباط في الجيش السوري معتقلين في سجون النظام الجديد، بعد التقدم لتسوية أوضاعهم وبعضهم أصبح مجهول المصير، ولم يُعرف ما إذا كانوا لا يزالون أحياءً في السجون، أم أنهم أموات دُفنوا في مقابر مجهولة.
استيقظ العلويون في سوريا على زلزال سقوط النظام المفاجئ، الذي لم يسبقه إنذار أو تحذير، ووجدوا أنفسهم بلا قيادة ولا جيش ولا أجهزة أمنية، وسط جحافل من التكفيريين متعدّدي الجنسيات، وما رافق ذلك من أعمال نهب وسرقة واغتصاب بعدما سلّموا سلاحهم ،استجابة لمطالب الحكم الجديد، لكنهم في مجازر الساحل خسروا الأمان والسلاح والوظيفة، وتحولوا إلى طائفة مُستضعفة، مُعتقلة ومُعزولة، يطمع الجميع بإلانتقام منها، رغم أن هذه الطائفة لم تستفد كلها من النظام، وتدل على ذلك قراها وبيوتها البسيطة وبيئتها الفقيرة.
يواجه العلويون في سوريا ثلاثة مخاطر أساسية:
-  الخطر العقائدي: المتمثل في اعتبارهم كفاراً وطائفة خارجة عن الملّة من قبل النظام الجديد والجماعات التكفيرية الحاكمة، التي تصر على تطبيق الحكم الشرعي بحقهم، ويظهر ذلك عبر سبي نسائهم بالاختطاف، أو مصادرة أموالهم، أو إجبارهم على تغيير عقيدتهم.
- الخطر الديمغرافي: الذي يستهدف وجودهم في المنطقة الساحلية الغنية بالنفط والغاز، أي ساحل سوريا المطل على البحر المتوسط، ويسعى أكثر من طرف خارجي للسيطرة على هذه المنطقة، وسط تنافس دولي بين روسيا التي تطالب بحصتها من تداعيات إسقاط سوريا، وتركيا التي تسعى لنيل مكافآتها، والولايات المتحدة التي تعد المقاول الرئيسي للحرب على سوريا، و"إسرائيل" في الجنوب السوري، بالإضافة إلى دول الخليج التي تريد الانتقام من سوريا التي عُرفت بـ"سوريا الأسدين" وتأمين خطوط القطارات وأنابيب الغاز بين الخليج و"إسرائيل"، ما يجعل "إسرائيل" بوابة للتجارة بين الخليج والعالم.
- خطر حفظ الوجود: يواجه العلويون خطر الاجتثاث والتذويب والتهجير بسبب رفضهم حتى الآن الاستعانة "بإسرائيل"، على عكس دروز السويداء، وقد نجح العلويون في سوريا حتى الآن في إدارة الأزمة وتقليل المخاطر عبر استيعاب المجازر وضبط النفس وتجنب ردود الفعل المتهورة أو الانزلاق إلى مخاطر التطبيع مع "إسرائيل"، كما نجحوا في إعادة تشكيل "قيادة دينية" لهم، حيث انتقلت القيادة العلوية للمرة الأولى منذ 50 عامًا من السياسيين إلى رجال الدين. 
هذا التحول يمنح زخماً وتأثيراً أكبر لحشد العلويين لحماية عقيدتهم ووجودهم، مقارنة بالقيادة السياسية التي قد تتنافس أو تتضارب أو تحكمها المصالح الشخصية.
 المظاهرات السلمية العلويّة التي جرت أمس استجابةً لنداء الرئيس الروحي للعلويين، حققت عدة أهداف:
- كسر حاجز الخوف والظهور العلني الجماعي، منهيةً بذلك مرحلة الاختباء للعلويين.
- تثبيت مكانة القيادة الدينية وحضورها السياسي والقيادي كجهة تتمتع بالتمثيل الشعبي القادرة على التفاوض. 
- اعتماد الحراك السلمي الذكي البعيد عن السلاح، لتجنب تبرير ارتكاب المجازر من قبل التكفيريين والنظام الجديد ضدهم، كما حدث في المرة الأولى تحت ذريعة "مقاتلة فلول النظام".
- طرح العلويون لمشروعهم السياسي القائم على "الفيدرالية واللامركزية"، بهدف الحفاظ على التنوع والأقليات ووحدة سوريا الفيدرالية، التي بدأت ملامحها تتشكل بتسارع (الإقليم الدرزي في الجنوب، والإقليم الكردي في الشرق، والإقليم العلوي في الساحل، والإقليم السني في الوسط).
 يمتلك العلويون أوراق قوة مستمدة من امتدادهم في تركيا، فإذا بادر العلويون الأتراك إلى مساعدة إخوانهم في سوريا، سيجني هؤلاء فوائد لتحسين موقعهم وقوتهم، بالإضافة إلى وجودهم على الساحل الذي يمثل مرفأ سوريا، ومواردها من النفط والغاز، ما يفرض على الأطراف الدولية الفاعلة جعل الساحل منطقة آمنة بعيدة عن التكفيريين، وأشبه بمحميّة دولية لتقاسم الثروات السورية بين أمريكا وروسيا وتركيا و"إسرائيل".
 مصلحة العلويين تستدعي البقاء ضمن دائرة الاحتجاجات والحراك السلمي ووحدة الصف، بالتوازي مع تحرك العلويين في الخارج، لدعم حرية وكرامة إخوانهم في المحافل الدولية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل