الحمل الكاذب .. وهمٌ تصنعه واشنطن لحلفائها العرب

السبت 22 تشرين الثاني , 2025 12:26 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

ليس سرًّا أن التفوق العسكري النوعي لتل أبيب يشكّل واحدًا من أكثر الثوابت رسوخًا في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط.

فما يُقدَّم للعالم على أنه التزام نابع من “شراكة استراتيجية” هو، في جوهره، ركن أساسي في منظومة النفوذ التي بنتها واشنطن لإدارة المنطقة، لا لحمايتها.

ولهذا، ليست الولايات المتحدة بحاجة إلى تذكير أو ضغط أو “قلق” إسرائيلي لتجديد هذا الالتزام؛ فهو جزء من عقيدتها الأمنية في الإقليم منذ عقود، ومكوّن لا يُمسّ من بنيتها الجيوسياسية.

صناعة القلق: أداة إسرائيلية قديمة بفعالية متجددة

حين تنشط وسائل الإعلام الإسرائيلية في بث رسائل القلق، أو حين تتعالى الأصوات السياسية المحذّرة من “تراجع الدعم” أو “نفاد الذخائر”، فإن ذلك ليس انعكاسًا لحالة طارئة بقدر ما هو جزء من معادلة مدروسة.

فإسرائيل تُتقن توظيف خطاب الخطر كمحرّك سياسي في واشنطن. وهي تعلم أن القلق الإسرائيلي—سواء كان حقيقيًا أو مُبالغًا—يلعب دور “صافرة الإنذار” التي تدفع الإدارة والكونغرس إلى التحرك الفوري.

هذا الأسلوب ليس ابتزازًا مباشرًا بمعناه الفجّ، لكنه ضغط مبطّن قائم على رمزية إسرائيل في الذهنية السياسية الأميركية، وعلى قدرة تل أبيب على استدعاء تعاطف تلقائي داخل المؤسسات الحاكمة.

وبذلك، يصبح “القلق” الإسرائيلي جزءًا من الأدوات التي تُدار بها العلاقة، لا عرضًا جانبيًا لها.

الدول العربية بين واقعية واشنطن وأوهام القوة

في المقابل، تبدو سياسة الولايات المتحدة تجاه دول المنطقة قائمة على منطق مختلف:

إبقاء الأطراف الإقليمية في حالة انتفاخ سياسي وعسكري محسوب… أشبه بالحمل الكاذب.

تُمنح هذه الدول صفقات تسليح ضخمة، تُصاغ بيانات شراكة رنانة، وتُعقد مؤتمرات تَعِد بـ“مرحلة جديدة من التعاون الدفاعي”.

لكن حين يوضع ذلك على ميزان الفعل، سرعان ما يتبيّن أن هذه الأدوات لا تغيّر من جوهر المعادلة: لا تفوق، ولا استقلال استراتيجي، ولا حتى قدرة على الضغط الحقيقي.

فالأسلحة تُسلَّم مقيدة بالقيود التقنية، والاستخدامات مربوطة بالموافقة الأميركية، والبنى الدفاعية تُدار بمنطق “الحماية” لا “التمكين”.

وبذلك تصبح القوة الممنوحة امتيازًا قابلًا للسحب، لا قدرة وطنية مكتملة.

معادلة مدارة بدقة: تفوق مضمون وقلق مصطنع ووهم منتفخ

في نهاية المطاف، ما تديره واشنطن في المنطقة ليس مجرد تحالفات، بل هرمًا للقوة يتصدره طرف واحد، ويسمح للآخرين بالحركة ضمن خطوط حمر مضبوطة.

إسرائيل في رأس الهرم، تحتفظ بتفوق نوعي لا يُناقش، وتعززه كلما احتاجت بإشارات القلق.

والدول العربية في قاعدة الهرم، تُمنح أدوات تجعلها تشعر بقوة متخيلة، لكنها لا تملك القدرة على تغيير التوازن الفعلي.

هكذا تتشكّل لوحة النفوذ:

– إسرائيل قوية وقلقة

– العرب مسلحون لكن بلا وزن استراتيجي

– والولايات المتحدة الضامن الوحيد لإيقاع اللعبة

الحقيقة التي لا تُقال إلا همسًا

إن الخطاب الرسمي، بما يحمله من شعارات “شراكة” و“استقرار”، يخفي حقيقة أبسط وأكثر خشونة:

المنطقة تُدار بحسب مصالح القوة الأميركية، لا وفق مصالح سكانها ولا حتى حلفائها.

وتبقى السياسات المعلنة مجرد ستار لواقع تُكتب قواعده في مكان آخر، وبأصوات ليست بالضرورة هي الأصوات التي يسمعها الرأي العام.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل