أقلام الثبات
تتمثل استراتيجية حركات المقاومة، أو ما تبقى منها في هذه المرحلة الاستثنائية والصعبة، في التماسك أمام العواصف العاتية واستيعاب الضربات مهما بلغت قسوتها، وذلك لإفشال أهداف العدو الرئيسية التالية:
- اجتثاث المشروع المقاوم فكرًا وسلاحًا من هذه الأمة واقتلاعه.
- تأمين أمنه وتحصين مجتمعه وكيانه لعقود طويلة، عبر فرض ثقافة الاستسلام سواء بالقوة أو بالاختيار الطوعي.
- إعادة تصنيع وتربية الأجيال القادمة للأمة على ثقافة التبعية والتنازلات، وحصر أهدافها بالرفاهية والاحتفالات، بعيدًا عن الكرامة والإبداع العلمي، والتسطيح الفكري، وتلقيحها بقيم وأخلاق وعقائد وسلوكيات جديدة تتماشى مع ما يسمى بالديانة الإبراهيمية - الماسونية.
تتعرّض المقاومة في لبنان لحرب عالمية شاملة على كافة الأصعدة، كونها تمثل "محور" المحور المقاوم والنبع المتبقي للمشروع المقاوم العربي الإسلامي وبمجرد التخلص منها، يحقق التحالف الأمريكي - "الإسرائيلي" - العربي عدة أهداف بضربة واحدة:
- منع إمداد المقاومة الفلسطينية في الداخل بالسلاح، وإلغاء حق العودة عبر التوطين.
- محاصرة إيران داخل حدودها وإغلاق آخر نافذة لها للمشاركة في تقرير مصير المنطقة بعد إقصائها عن قضية الصراع العربي - "الإسرائيلي".
- إسقاط لبنان بالقبضة الأمريكية - "الإسرائيلية"، ليصبح مقر قيادة الشرق الأوسط الأمريكي الجديد وبداية مشروع "إسرائيل الكبرى".
بالتزامن مع الحرب العالمية على المقاومة في لبنان، تتعرض المقاومة وأهلها وطائفتها وأنصارها للشماتة والتنمر من "جبهة إسناد إسرائيل في لبنان"، وللعتاب الودود من أهلها النابع من الحزن على الشهداء، وسعيًا لاستعادة بعض المعنويات التي خسروها نتيجة صمت المقاومة وعدم مبادرتها للرد ومع تفهمنا لهذا العتاب، لا بد من توضيح بعض النقاط حتى لا نُثقل كاهل المقاومين فوق إرهاقهم:
- المقاومة لا تقاتل "إسرائيل" وحدها، بل هي تخوض معركة ضد أمريكا و"إسرائيل" وبعض الدول العربية والجماعات التكفيرية وعملاء "إسرائيل" في لبنان، القدامى والجدد.
- تقاتل المقاومة وحيدة في الميدان وهي مُحاصرة من كل الجهات وعلى كافة المستويات، خصوصاً بعد تلقيها خسائر فادحة وكبيرة خلال حرب الـ 66 يومًا، إذ فقدت رمزها وقائدها "السيد الشهيد" وأغلب قياداتها المركزية ومخزونها الصاروخي. ولولا رعاية الله وحفظه، وشجاعة مجاهديها واحتضان أهلها، لتم اقتلاعها واجتثاثها ولم تكن على قيد الحياة الآن.
يجب على المقاومة أن تتكيف مع الظروف الجديدة وأن تُغيّر أولوياتها وأهدافها ووسائل عملها، فلكل مرحلة مقتضياتها ومسؤولياتها ويمكن تلخيص ملامح الاستراتيجية الجديدة للمقاومة في لبنان في ثلاثة محاور رئيسية:
أولوية حفظ الوجود على المستوى الفكري والثقافي والسياسي والعسكري، إلى أن تنتهي عواصف الحرب والاقتلاع أو تهدأ.
2. التواضع في تحديد الأهداف والمسؤوليات بما يتناسب مع القدرات والإمكانيات والواجب الديني، وعدم تحمل مسؤولية إزالة إسرائيل من الوجود وحدها (دون التنازل عن هذا الهدف النهائي) بل القناعة بأن مسؤولية تحرير فلسطين تقع بدايةً على عاتق الشعب الفلسطيني، ثم الأمة العربية والإسلامية التي نحن جزء منها، وسنكون في طليعتها، فنحن لسنا وكلاء عنهم، وليس من واجباتنا القتال بالنيابة عنهم، خصوصاً وهم يطعنوننا في الظهر أثناء قتالنا "لإسرائيل".
3. مسؤولية الدفاع عن لبنان تقع على عاتق الدولة والجيش والقوى الأمنية، وليست مسؤولية المقاومة وحدها، بل عليها أن تكون قوة رديفة ومساندة للجيش والدولة في حال عجزهما عن تحرير الأراضي وتأمين أمن لبنان.
4. حصر العمل العسكري داخل الأراضي اللبنانية، للدفاع ومواجهة أي اعتداء "إسرائيلي" أو خارجي أو تكفيري، شريطة أن تكون المبادرة في الدفاع للدولة والجيش والقوى الأمنية اللبنانية ويقتصر الدعم لأي حركة مقاومة خارج لبنان على الدعم السياسي والإعلامي والمساعدة.
5. عدم تسليم السلاح إلا بعد تأمين ضمانات موثوقة وتحرير الأرض ووقف حقيقي لإطلاق النار.
المقاومة اللبنانية مُطالبة بحفظ نفسها ووجودها وما تبقى من إمكانياتها رغم كل الخسائر، وتجنب الانزلاق إلى أي حرب جديدة تسعى أمريكا و"إسرائيل" لاستدراجها إليها لاقتناص فرصة القضاء عليها، فإذا نجحت المقاومة في حفظ وجودها كما فعلت سابقاً وخلال العام الماضي ولا تزال، فستكون قد حقّقت انتصارًا استراتيجيًا، بحفظ المشروع المقاوم رغم الخسائر المرحلية، لأن "إسرائيل" لا تستطيع الاستمرار في حرب دائمة، ولذلك تحاول إنجاز مهمة القضاء على حركات المقاومة بأسرع وقت ممكن بعد سنتين من القتال.
لم تنتصر "إسرائيل" على الرغم من إنجازاتها، كما لم تُهزَم المقاومة رغم خسائرها، فالحرب لم تنتهِ ولن تنتهي، وعلينا التحلي بالصبر وعدم اليأس أو الاستسلام... وسننتصر بإذن الله تعالى.
أولوية واجبات المقاومة حفظُ وجودها ــ د. نسيب حطيط
الإثنين 24 تشرين الثاني , 2025 09:56 توقيت بيروت
أقلام الثبات
خطة ترامب للسلام في أوكرانيا.. الهواجس الأوروبية كبيرة ــ د. ليلى نقولا
أحمد الشرع... تعدد الولاءات الخارجية يجعل منه والياً بلا ولاية _ أمين أبوراشد
استقلال وهمي… وتبعية صارخة _ عدنان الساحلي