أقلام الثبات
مرّت الذكرى ال82 لاستقلال لبنان عن الاستعمار الفرنسي هذا العام وسط وهن وتراجع رسمي وشعبي ملحوظ، تعامل بعجز وارتباك مع المناسبة. فحالة الخنوع العربي العام الذي رافق حرب الإبادة الصهيونية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، لم تستثن لبنان دولة وشعباً. علماً أن الاستقلال بحد ذاته، هو أمر يخص الشعب وقواه الفاعلة، أكثر مما يخص الحكام، الذين عودونا أنهم يعملون على إرضاء قوى الهيمنة العالمية، أكثر مما يعنيهم إرضاء شعبهم.
ولولا وجود المقاومة وتضحيات مجاهديها، بالأرواح والدماء الغزيرة؛ ولولا صمود جمهور المقاومة أمام حرب التدمير والتقتيل والتهجير، التي تنفذها آلة الحرب الأميركية، الموضوعة بتصرف عتاة المجرمين الصهاينة، لكان وضع لبنان لا يختلف عن حال أي بلد عربي، من تلك التي يحكمها سلاطين التبعية: مجرد سلطة وزمرة مصفقين وأبواق مبخرين، يقدمون فروض الطاعة كل يوم، بل كل ساعة، لحامي عروشهم وثرواتهم: وحش الغابة الكونية، الرئيس الأميركي، الذي يتغير اسمه كل أربع سنوات، لكن سياسة إدارته لا تتغير، في التسلط على الشعوب ونهب ثرواتها وفرض حكام عليها لا يجرؤون على رفض إملاءاته.
وهذا الواقع يجعلنا نسأل عن غياب ما كان يسمى "القوى الحية" في لبنان، من أحزاب وقوى، لطالما شهدت الساحات والشوارع والنقابات والجامعات وجودها الفاعل، في وجه طغمة تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف الحاكمة؛ وفي وجه قوى ودول الاستعمار والرجعية، في أوقات كان فيها لبنان والمنطقة، أمام تحديات وأخطار لا تفوق الأخطار والتحديات التي تواجهنا في هذه الأيام.
وحتى لا يكون الكلام من دون محددات، فإن تأثير تفكك الاتحاد السوفياتي؛ وخضوع النظام الرسمي العربي للسياسات الأميركية؛ إضافة إلى الوجود العسكري السوري في لبنان، طوال ثلاثين سنة مضت؛ وسيطرة رموز الرأسمال المتوحش عليه؛ وتفشي ظواهر الرشوة السياسية، كان بالغ السلبية على الحياة السياسية والحزبية في لبنان، لكن في الوقت نفسه تضاعفت التحديات والأخطار، خصوصاً معاناة اللبنانيين من جرائم أهل الحكم والنظام، في تواطؤهم مع المخطط الأميركي والسعودي، الذي عمل على حصار لبنان اقتصادياً وافتعل شتى الأزمات فيه، بهدف إفقار اللبنانيين وتطويعهم، لإرغامهم على القبول بالتنازلات السيادية والسياسية، التي تعمل على فرضها عليهم الولايات المتحدة الأميركية والكيان المحتل لفلسطين؛ وبعض الدول العربية المتورطة في مشاريع "السلام" الأميركية، المقررة للمنطقة، لتكريس وجود الكيان الصهيوني؛ وجعله قائداً لمجموعة الدول العربية السائرة في الفلك الأميركي - "الإسرائيلي"؛ وشطب حقوق شعب فلسطين؛ وفرض توطين اللاجئين منهم في لبنان.
ومن الطبيعي والمشروع، السؤال عن دور ما كان يسمى "الأحزاب والقوى الوطنية"، مضافة إليها كل القوى والأحزاب، التي تعلن معاداتها للغزوة الصهيونية للمنطقة؛ وللقوى الراعية والداعمة لهذه الغزوة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية؛ ومن يتبعها من أنظمة غربية وعربية، خصوصاً أمام وقاحة وفجاجة التسلط الأميركي على لبنان؛ ومدى حقارة الخضوع والتبعية، التي يمارسهما قسم كبير من اللبنانيين، رسميين وسياسيين وحزبيين، أمام الإملاءات الأميركية الممولة بتريليونات المملكة السعودية وأمثالها.
نفتقد هذا الدور، على الرغم من كل الحجج الواهية التي تحاول تبرير حال الانهيار والتشظي والتساقط، التي تعاني منها مختلف القوى والأحزاب، التي غابت عن دورها وواجبها في الدفاع عن لقمة المواطن وحقه في العمل وفي العيش بكرامة؛ وكذلك فشلها في سد تقصير السلطة ومؤسساتها، في الدفاع عن الوطن والشعب، في وجه العدوانية "الإسرائيلية"، في وقت بلغت معاناة اللبنانيين حدوداً غير مسبوقة، من تداعيات فساد أهل السلطة وأصحاب المصارف، الذين نهبوا اموال اللبنانيين بالهدر والسرقات؛ وهرّبوا ما بقي منها إلى الخارج، مما أدى إلى تراجع قيمة الليرة اللبنانية وموت القدرة الشرائية لرواتب ومداخيل اللبنانيين وتعويضات نهاية خدماتهم؛ ووضعوا ثمانين في المائة منهم تحت خط الفقر. فيما يصرً أهل الحكم على عدم تعديل الحد الأدنى للأجور، خضوعاً لأوامر صندوق النقد الدولي، الخاضع بدوره للتوجيهات الأميركية. وهذا الأمر هو الذي يقف خلف التعاميم المشبوهة لحكام مصرف لبنان، خصوصاً السابق الفاسد؛ والحالي الذي ينفذ أوامر وزارة الخزانة الأميركية، بحصار اللبنانيين مالياً، في تكامل مع سرقة المصارف لودائعهم وجنى أعمارهم. من دون أن نغفل عن الأخطار التي تحيق بأملاك الدولة؛ وبرصيد الذهب الذي يملكه لبنان، بحجة التصرف بهم لحل أزمة أصحاب المصارف، في اضطرارها لإعادة الودائع المالية لأصحابها.
كما تستمر محاولات تكبيل لبنان بالديون المشروطة، ليس فقط لإعلان إفقاره وإفلاسه وهذا حصل، بل لإلزامه بشروط سياسية واقتصادية باتت معروفة من جميع اللبنانيين؛ وما حصل لفشل جر الغاز والكهرباء من مصر والأردن سابقاً؛ وبقاء الاحتلال في شريط حدودي حالياً، هو دليل على وجود مطالب سياسية. فالمطلوب كسر إرادة اللبنانيين و"صهينتهم" و"أسرلتهم"، ليلبوا مطالب صهيونية، تبدأ بتعديلات على الحدود، لتصل إلى تعديلات سياسية ودينية تقبل بالاتفاقات "الإبراهامية" التهويدية، بهدف دمج الكيان "الإسرائيلي" بمحيطه العربي. مما يفسر حال الاستقلال الوهمي والتبعية المفروضة، التي يعيشها لبنان الرسمي تحديداً، فيما "قوى التغيير" السابقة أضحت موظفة عند سفارة عوكر وعند جمعيات الـ”ngos” الممولة من دول الهيمنة والتبعية ذاتها.
أحمد الشرع... تعدد الولاءات الخارجية يجعل منه والياً بلا ولاية _ أمين أبوراشد
الحمل الكاذب .. وهمٌ تصنعه واشنطن لحلفائها العرب
"إسرائيل"... وتفكيك حركات ودول المقاومة بالنار _ د. نسيب حطيط