أقلام الثبات
رجُل "النَعَم".. نعم للجميع، يقولها الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، من منطلق قناعته أن نسج العلاقات الدولية يتطلب منه ذلك، ومتى تعارضت مصالح هؤلاء "الجميع" في سوريا، لا يجد نفسه قادراً على جمعهم، ويجتمع الأميركي والروسي والتركي في قلب دمشق، وينضمّ إليهم "الإسرائيلي" عبر ال"Zoom"، والشرع راضٍ وموافق على كل شيء، مادام يقبع على كرسي الحكم؛ كما الوالي الذي ينتظر تعليمات "الباب العالي" أو "المندوب السامي".
أحمد الشرع ليس سوى جزئية من أدوات أميركا في هجمتها على اتفاقية سايكس - بيكو (1916) عندما كانت الهيمنة بريطانية - فرنسية زمن الانتداب، لكن المؤسف أن سوريا التي نشأت فيها المملكة السورية العربية عام 1920، وغدت جمهورية مستقلة بعد الجلاء الفرنسي عن أراضيها عام 1946، هي حضارة ستة آلاف سنة، ومن عجائب القدر أن مَن يحشرون أنفسهم فيها اليوم هم حكام كيانات حديثة بلا حضارات متقادمة، إذا أخذنا بعين الاعتبار، تاريخ نشوء هذه الدول: المملكة السعودية (1932)، الإمارات (1968)، قطر (1971)، الكيان الصهيوني (1948)، إضافة إلى تركيا (1923) ذات التاريخ العثماني السلطاني الظالم على مدى قرون من الزمان.
وربما أغفل البعض أن أميركا اشترت بالمجان خارطة سايكس - بيكو من أوروبا العجوز، العاجزة عن مواجهة أميركا التي تتزعم حلف "الناتو"، وما تجدُّد مقولة "حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل" سوى ترجمة لانهيار حدود قررت أميركا هدمها وإعادة ترسيمها، مع غياب فرنسي- بريطاني لافت عن معادلة القوة في الشرق الأوسط، وحلول أميركا مندوباً سامياً بديلاً عنهما لصالح "إسرائيل"، بصفتها الجرثومة التي ورثتها أميركا، ونجحت الحكومات الأميركية المتعاقبة في حمايتها، ونصيب سوريا أنها الدولة الأولى التي ستدفع لأسباب داخلية الثمن الباهظ من سيادتها، مع بداية "سايكس - بيكو أميركي" ينسف ما حصل قبل قرن وعقد من الزمان.
ولا بد هنا من الاعتراف، أن اتفاقية سايكس - بيكو قد ظلمت الأكراد، وحرمتهم من وطن، هم الذين كان من حقهم هذا الوطن، على الحدود ما بين الدول الأربع: العراق وسوريا وتركيا وإيران، لأنهم شعب يناضل من أجل دولة تُراعي تمايزه وترعى شؤونه، سيما أن عدد الأكراد يتراوح بين 25 و35 مليون نسمة، ويتوزعون بشكل أساسي في أربع دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا. وهم شعب من أصول هندو - أوروبية يتحدرون من القبائل الميدية التي استوطنت بلاد فارس القديمة وأسست إمبراطورية في القرن السابع قبل الميلاد، على مساحة أكثر من 700 ألف كلم تتقاسمها حالياً الدول الأربع المذكورة.
صفعتان تلقاهما الأكراد خلال النضال من أجل وطن كردي، الأولى بوصول مصطفى كمال أتاتورك إلى الحكم في تركيا، مع ما يحمله من فكر قومي علماني، يتجاوز الفكر الديني والاتني والعرقي، والثانية بوصول حزب البعث إلى الحكم في سوريا، ودعوته إلى توحيد العالم العربي ضمن إطار القومية العربية.
وقد لا تكون هناك فرصة متاحة لراغبي الانفصال عن سوريا أكبر مما هي الآن، وكل حديث عن وحدة الدولة السورية المركزية بات من الماضي، وخطيئة أحمد الشرع القاتلة أنه أيقظ بأدائه رغبة الانفصال لدى الأكراد، بصرف النظر عن شكل الحكم الذاتي الذي لن يتراجعوا عنه، ودفع الشرع بالعلويين والدروز إلى المطالبة بالانفصال أيضاً، ما يعني أن كل جماعة رسمت حدودها على الأرض السورية، ولا يستطيع الشرع سوى أن يقول "نعم" للداخل كما يقولها للخارج، وبالكاد تبقى له أرياف حماه وصحراء تدمر ودمشق، أو ما بات يُعرف بالإقليم السني، لكنه قد لا يبقى حتى على البقايا، ويكون الوالي البلا ولاية الذي يشتغل لدى الآخرين ووظيفته أقرب إلى صبيان البلاط.
استقلال وهمي… وتبعية صارخة _ عدنان الساحلي
الحمل الكاذب .. وهمٌ تصنعه واشنطن لحلفائها العرب
"إسرائيل"... وتفكيك حركات ودول المقاومة بالنار _ د. نسيب حطيط