أقلام الثبات
تعتمد "إسرائيل" استراتيجية القوة النارية الوحشية لتفكيك حركات المقاومة ونزع سلاحها، سواء عبر الاجتياح والتدمير والإبادة الجماعية، أو باغتيال القيادات المركزية والميدانية، ويهدف هذا النهج إلى تأمين الأمن الداخلي "الإسرائيلي" عبر تجريد خصومها من جميع أوراق القوة، لِعجزها عن تأمين أمنها ذاتيًا عبر الحروب والصراع العسكري، نظرًا لقلة عدد جيشها والمحيط الذي تعيش فيه، حيث ستبقى "إسرائيل" كيانًا دخيلًا وسرطانًا ثقافيًا، يُلوّث المفاهيم الحضارية بثقافتها التلمودية وسلوكياتها المتوحشة، التي تعتمد على الترهيب والمجازر والقتل تحت مسمى مُضلّل ومُخادع هو "الدفاع عن النفس"، وهذا ما أطلقته على جيشها الذي يبدأ الحروب تحت اسم "جيش الدفاع".
استهدفت "إسرائيل" حركات المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة بشكل مركّز، لتصفيتها، باعتبارها آخر قلاع المواجهة المسلحة مع الكيان "الإسرائيلي"، وتشكل التهديد الحقيقي والميداني، لأمنه واستقراره ومنع مشاريعه التوسعية، خصوصاً بعد استسلام أغلب العالم العربي والإسلامي، وأضافت إليهما سوريا وإيران كدولتين لا تزالان خارج إطار التطبيع والسلام، ونجحت، بمساعدة تركيا والعرب وأمريكا، في إسقاط النظام في سوريا بعد 13 عامًا من المواجهة والقتال، وكادت أن تُسقط إيران بالضربة القاضية في حرب حزيران الماضي بدعم أمريكي.
ترتكز الاستراتيجية "الإسرائيلية" لتصفية حركات المقاومة على أعمال أمنية وعسكرية مباشرة، وحصار سياسي وإعلامي يتوزع على أربع مراحل:
- المرحلة الأمنية: تعتمد على العمل الأمني الهادئ والمُركّب لاختراق حركات المقاومة بشريًا وتقنيًا على مدى سنوات، قد تمتد لعشر سنوات أو أكثر كما هو حال العملية الأمنية التي أدّت لاختراق أجهزة "البيجر" و"اللاسلكي"، وربما الكاميرات والأدوات المنزلية ، وأجهزة الكمبيوتر، وبعض الأدوات الطبية أو الصناعية، والسيارات، وكل ما هو مُستورد من الخارج.
- مرحلة "قطع الرؤوس": اغتيال القيادات المركزية والمتوسطة والميدانية التي تدير المعركة لوضع المقاومين في حالة ضياع، وقد نجحت "إسرائيل" بذلك في لبنان وفلسطين، حيث تُصفّى لأول مرة جميع القيادات المركزية والميدانية.
- مرحلة الاجتياح البري: وتتضمن ارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وتهجير الناس لتأمين المناطق الجغرافية العازلة، كأحزمة أمنية فيما يُسمى الغلاف الأمني في "إسرائيل"، بهدف وضع العراقيل أمام أي عمليات برية لقوات المقاومة، وقد دمّرت "إسرائيل" غزة بالكامل وهجّرت أهلها، بانتظار إتمام عمليات الترحيل إلى الخارج، كما فعلت الشيء نفسه في لبنان بالقرى الحدودية التي دمرتها وهجّرت أهلها، ولا تسمح بإعادة إعمارها.
- المرحلة منع الترميم العسكري وعدم النهوض، وهي المرحلة الأخطر والتي تعتمد على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار دون إعلان إنهاء الحرب، إذ تستكمل إسرائيل الحرب منفردة من جانب واحد لإكمال عملية تصفية المقاومة وتبدأ هذه العملية باغتيالات متسلسلة من رأس الهرم القيادي، مروراً بالقيادات المركزية، ثم قادة المحاور، وقادة الوحدات المختصة، وصولاً إلى الخبراء والاختصاصيين، ثم مسؤولي القرى "الروابط" كآخر طبقة على المستوى التنظيمي والعسكري، بهدف تدمير البنية التنظيمية والعسكرية للتنظيم والاستمرار في اغتيال البدلاء الذين يتم تعيينهم بدلاً من الشهداء وسَتُمدد "إسرائيل" هذه المرحلة وتجعلها مفتوحة، برفضها التفاوض وعدم الالتزام بوقف إطلاق النار، وذلك بعد تأمين الغطاء السياسي والقانوني الدولي أو المحلي، كما حدث في لبنان بإصدار قرار بنزع سلاح المقاومة ومنع إعادة الإعمار، وكما حدث في فلسطين مع السلطة الفلسطينية وموقفها من حركات المقاومة في غزة. بانتظار أن تتمكن المقاومة، خصوصاً في لبنان، من استعادة عافيتها لإعادة تثبيت قواعد الاشتباك، من الضروري أن تعيد حركات المقاومة، لا سيما في لبنان وفلسطين، مراجعة خططها ووسائلها وتشكيلاتها العسكرية والبنيوية والسلوكية (عبر توزيعها على تشكيلات مستحدثة بأسماء جديدة) لتشتيت رقابة العدو والتأقلم مع الوضع الاستثنائي الجديد، وذلك حفاظاً على وجودها أولاً، ولتمكينها من سلب العدو هدفه الأساسي من كل الحروب، وهو تأمين الأمن للداخل "الإسرائيلي".
لا بد لحركات المقاومة من إعادة لم الشمل وتجميع القوى وتحديد أولوياتها وتوسيع قاعدة أطرافها، لتضم أكبر عدد ممكن من الأحزاب والشخصيات على مستوى العالم العربي والإسلامي، وربما العالمي من المناهضين للمشروع الأمريكي وألا تقتصر المقاومة على الجانب العسكري، بل يجب أن تكون شاملة؛ سياسية، وإعلامية، وفكرية، وثقافية، واقتصادية، وفنية، وهو الجانب الذي تفتقر إليه حركات المقاومة حتى الآن.
رغم كل المكاسب التي حققتها "إسرائيل" والخسائر التي لحقت بحركات المقاومة، لا تزال إمكانية الصمود وتعويض الخسائر، شرط عدم الاستسلام نفسياً، وتطوير وسائل المقاومة بمنهجية موضوعية وعقلانية، وتحديد الأولويات.
"إسرائيل"... وتفكيك حركات ودول المقاومة بالنار _ د. نسيب حطيط
السبت 22 تشرين الثاني , 2025 10:58 توقيت بيروت
أقلام الثبات
بعد الهزائم التي منيت بها... أوكرانيا تستخدم أساليب "داعش" و"القاعدة" _ حسان الحسن
باللهجة اللبنانية .. بعد تفسير "العضو يزبك" لكلام الرئيس: مجنون يحكي… وعاقل يسمع
الحكومة اللبنانية... واستجداء "السلام" من "إسرائيل" ــ د. نسيب حطيط