أقلام الثبات
ربما آن أوان "حصر الإرث" في سوريا، ويبدو الرئيس أحمد الشرع وكأنه القاضي الشرعي المُلزم بالإشراف على التركة، هو الذي ساهم أكثر من سواه بتمزيق سوريا، من خلال الاعتداء المتمادي على العلويين في الساحل، وعلى الدروز في السويداء، وعلى جرّ سُنَّة بلاد الشام إلى ما يُجانب الكفر بهكذا واقع في حلب وحماه وحمص ودمشق، وبات عليه أن يكون "وكيل التفليسة" للدولة السورية المركزية، وأن يُرضٍي الأطراف المُعتَدى عليهم بأقاليم فيدرالية كي لا يقع المحظور الأعظم، وتجري عملية "الضمّ والفرز" عبر ترسيم الحدود بالدماء.
حصيلة زيارة الشرع إلى البيت الأبيض، تطبيع مع "إسرائيل" وإطلاق يدها في كامل الجنوب السوري، و"تطبيع" مع تركيا أردوغان من الشمال الحدودي حتى حدود حمص، باستثناء مناطق إقليم الأكراد في الشمال الشرقي، وإقليم الساحل في وسط وغرب سوريا، على أن تكون نقطة "فصل القوات" بين الصهيوني والعثماني هي القاعدة الأميركية المستحدثة قرب دمشق.
وإذ تقاطعت آراء المتابعين عند نقطة أساسية؛ أن ترامب لا ينظر إلى الشرع كرئيس دولة، ولا مشروع رئيس دولة، بدا الرجل وكأنه "مقاول"، مقاول لدى الغير وليس لحسابه، وعليه حمل خارطة رسمها سواه، واعتبارها خارطة طريقه، ولا يحق له مناقشتها أو تعديل نقطة فيها، ولا مراجعة "المهندسين"، بعد أن ارتكب الخطيئة المميتة في الساحل ووقع في "الفخ" بالسويداء.
وعندما التقى الرئيس ترامب بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، أصرَّ الرئيس الأميركي على "بيع" سوريا لأردوغان، واعتبره البطل الذي أسقط الأسد و"حرر" الشعب السوري، وبدا الوجوم واضحاً على وجه أردوغان في ذلك اللقاء، ليس رفضاً ولا تعففاُ، وهو عثماني النشأة في تمجيد السلاطين وأحلام السلطنة، بل لأن ترامب حمَّله مع هكذا "هدية" وزر المقاتلين الأجانب الذين دخلوا من تركيا ولا مخرج لهم سوى من تركيا، وليس من السهل على زعيم "حزب العدالة والتنمية"، الآتي من حزب "الفضيلة" سابقاً، أن يُعادي أو يشارك في العدوان على "إسلاميين"، ولا حتى وضع تركيا الداخلي يسمح له بالمجازفة واستيراد المزيد من الأزمات لبلاده.
من جهة أخرى، يُلاحظ على الإعلام التركي ابتعاده منذ أكثر من شهر عن ذكر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالسلبية المعهودة، والسبب واضح أمام استحقاق "محاربة الإرهاب" في سوريا، وليس في الواجهة سوى قسد كجيش نظامي يقارب عديده 150 ألفاً، لديه الخبرة في المواجهة مع "داعش"، ولديه القدرة الهجومية المُنظَّمة والمنضبطة، على عكس "الجيش الفصائلي" التابع لوزارة الدفاع، والذي سينقسم على نفسه بمجرد إعلان "الحرب" على الأجانب.
ولمزيد من الصراحة والوضوح، "قسد" هي اليوم كيان دولة قائم بذاته، وهي أقوى القوى على الأرض السورية، وعليها ستعتمد حكومة الشرع لمحاربة الإرهاب سواء أتى من "داعش" أو من الفصائل الأخرى التي استقدمت الأجانب لتحقيق "دولة الخلافة"، وانقلب عليها الشرع لتأسيس دولة مدنية بعد وصوله إلى السلطة، وبات بحكم الشرع الديني مُرتداُ، ولحماية نفسه وكرسيه الرئاسي لا بد له من الاستعانة بقسد ضمن شروطها.
ما يجعل "قسد" نواة الدولة السورية الجديدة، ليس فقط عديد عناصرها وتجهيزات عتادها، بل قدرتها على التنظيم العسكري واللوجستي، وامتلاكها مقدرات تنظيمية لكيان دولة أقوى من "دولة الشرع" الحالية.
في المقابل، تبرز تعقيدات سياسية لدى الدروز في السويداء، مع بروز شخصيات علمانية أكاديمية لا تلتقي مع رؤية الشيخ حكمت الهجري لشكل "الدولة الدرزية"، وتعقيدات لدى العلويين ترتبط بتشكيل مجلس لإدارة الساحل، مع كثافة في المرشحين الذين تغربلهم روسيا، والتعقيدات الأكبر هي لدى الفريق السُنِّي الشامي الأصيل، غير الراضي عن الشرع وأزلامه "الأدالبة" الذين يمسكون بزمام دوائر السلطة، بحيث بات أبناء الأرياف يحكمون المدن السورية، وباتت العاصمة دمشق غريبة عن أهلها، مع شعور عارم بالخوف من المواجهات الآتية، بين مَن يعتبرون أنفسهم أهل الدار وبين الغرباء، سواء كانوا من الأجانب أو ممَّن نزحوا من الأرياف إلى المدن بحكم الواقع السلطوي، ويعتاشون من "اقتصاد الحرب"، بانتظار "ترسيم الحدود" بين "الأقاليم"، لتكون لكل فريق "سورياه" وفق الخرائط الموضوعة من خارج سوريا.
جبهة إسناد "إسرائيل"... والحقد على المقاومة ــ د. نسيب حطيط
إلى السيناتور المتعجرف: لبنان وجيشه أكبر من ضجيج واشنطن ـ محمد دياب
لبنانيون يشنّون حرب الإسناد "لإسرائيل" ــ د. نسيب حطيط