خاص الثبات
لم يكن اللبنانيون بحاجة إلى دليل جديد على أن واشنطن ما زالت تتعاطى مع دول العالم بمنطق الوصاية، لكن ما جرى مع قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل تجاوز حدود اللياقة الدبلوماسية ليشكّل رسالة متعالية لا يمكن لأي دولة ذات سيادة أن تتجاهلها.
إلغاء الاجتماعات المقرّرة لقائد الجيش، وإلغاء حفل استقبال رسمي كان سيُقام على شرفه، لم يكن مجرد إجراء إداري عابر. كان استعراضًا فجًّا لعجرفة سياسية تذكّر بأن بعض الساسة في واشنطن ما زالوا يتعاملون مع لبنان وجيشه كأنّهما تابعان لا يملكان حق التعبير الحر عن موقف سيادي.
كيف يسمح سيناتور أميركي لنفسه أن يقوّم بيانًا صادرًا عن الجيش اللبناني وكأن المؤسسة العسكرية اللبنانية مطالبة بأن تكتب مواقفها وفق مزاج أعضاء الكونغرس؟ وكيف يجرؤ آخر على وصف الجيش، الذي قدّم الشهداء لحماية لبنان، بأنه “استثمار غير مجدٍ”؟
من يعطي هؤلاء هذا الحق؟ وأي منطق يقبل بتدخّل مشرّع أميركي في تحديد ما يجب أن يقوله الجيش اللبناني أو لا يقوله؟
لبنان ليس ولاية أميركية، وجيشه ليس فرعًا خارجيًا من مؤسسة حكومية أميركية.
الجيش اللبناني أصدر بيانًا يستند إلى المعطيات الميدانية والوقائع، ولم يكتب بناءً على حسابات انتخابية في واشنطن أو زوايا نظر حزبية داخل الكونغرس. وإذا كان هذا الموقف أغضب البعض، فهذه مشكلتهم، لا مشكلة لبنان.
إنّ ما حصل يكشف الذهنية التي تتعامل بها بعض الدوائر الأميركية مع الدول الصغيرة: إمّا أن تتصرّفوا وفق مخططاتنا، أو نلوّح بقطع المساعدات.
لكن الحقيقة التي يتجاهلها هؤلاء هي أنّ الجيش اللبناني لم يُبنَ على أموال الخارج، بل على دماء أبنائه وتضحياتهم، وعلى ثقة اللبنانيين به، وهي الثقة التي لا يستطيع سيناتور — أيًّا كان — أن يمنحها أو يسحبها.
اليوم، ونحن أمام هذا المشهد، لا يسعنا سوى أن نُحيّي قائد الجيش العماد رودولف هيكل على ثباته وهدوئه وانضباطه، وعلى تمسكه بخطاب مؤسسي وطني رغم الاستفزاز السياسي الخارجي.
ونقول له بوضوح: موقفك مشرّف… وعودتك إلى لبنان هي أفضل ردّ على من حاول التطاول على كرامة المؤسسة العسكرية.
فلبنان يحتاجك هنا، بين أهله وجنوده، لا في أروقة سياسية تحاول أن تملي على جيشنا كيف يفكّر وكيف يكتب.
إنّ الجيش اللبناني سيبقى الضمانة الأولى والأخيرة لوحدة لبنان واستقراره، مهما حاول البعض استخدام الدعم العسكري كورقة ضغط سياسية.
واللبنانيون يعرفون جيدًا أن من يحمون حدود الوطن ليسوا أعضاء الكونغرس الأميركي، بل أولئك الذين يقفون كل يوم على خطوط النار، تحت الرايات اللبنانية، وليس تحت رايات أحد غيرهم.
لبنان ليس ميدانًا لامتحان الولاء لأحد.
والجيش اللبناني ليس موضوعًا للنقاش تحت سقوف خارجية.
ومن يمسّ بكرامة الجيش، يمسّ بكرامة وطن كامل.
لبنانيون يشنّون حرب الإسناد "لإسرائيل" ــ د. نسيب حطيط
فنزويلا على شفا العدوان الاميركي.. وحلفاء واشنطن الى الزاوية - يونس عودة
فرنسا ... دور الميسِّر في لبنان _ د. ليلى نقولا