الحكومة اللبنانية... واستجداء "السلام" من "إسرائيل" ــ د. نسيب حطيط

الجمعة 21 تشرين الثاني , 2025 09:46 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
أعلن رئيس الوزراء اللبناني أن "إسرائيل رفضت التفاوض والتسوية مع لبنان"، وأكد أن "لبنان لن يتخلّف عن ركب التغيير في المنطقة هذه المرة"، أي ركب التطبيع و"السلام" وقد سبقه إلى إعلان استعداد لبنان للتفاوض رئيس الجمهورية، بناءً على ضغوط أمريكية وعربية وطلب "إسرائيلي"، وتنفّذ السلطة اللبنانية وأحزابها من "جبهة إسناد إسرائيل" كل مطالب "إسرائيل" دون ان تقابلها "إسرائيل" بأي خطوة إيجابية؟!
يطرح المبعوث الأمريكي ورقة حل وتسوية، المعروفة بورقة "برّاك"، والتي تعتمد على مبدأ "الخطوة مقابل خطوة"، وبموجبها نفّذ لبنان كل خطواته، ولم تنفذ "إسرائيل" أي خطوة مقابلة، ثم يعلن المبعوث الأمريكي كذبته الشهيرة: "لا ورقة أمريكية، ولا تستطيع أمريكا الضغط على إسرائيل"!
أنجز الجيش اللبناني كل التزاماته، بل وتجاوزها، فيما يخص منطقة جنوب الليطاني، وتسلّم من المقاومة كل مراكزها وأنفاقها وأسلحتها، فمنعته أمريكا من استخدامها، وفرضت عليه تفجيرها في الجنوب، وعندما اعترض الجيش على أن يتحول إلى شرطة عسكرية تعمل بأمر الجيش "الإسرائيلي" لتفتيش المنازل والممتلكات الخاصة، عاقبته أمريكا بإلغاء مواعيد قائد الجيش في اميركا، مما اضطره لإلغاء زيارته، وبدأت تهمس بضرورة إقالته لأنه لا يزال يستخدم عبارة "العدو الإسرائيلي"!
ترفض "إسرائيل" الانسحاب من الأراضي اللبنانية، وترفض إطلاق الأسرى، وترفض وقف إطلاق النار، ولا تزال تمارس الاغتيال والقصف والتدمير والتوغل داخل لبنان، كما ترفض دعوات لبنان واستعداده للسلام، وتسعى للانتقام من المقاومة التي أذلّتها عامي 2000 و2006 وتشن حرب الإذلال والإهانة بالتوازي مع الحرب العسكرية والأمنية والتهديد الدائم بالاجتياح البري، لمحو الهزيمة التي لحقت بالجيش "الإسرائيلي" عام 2000، بعد 18 عامًا من المقاومة، عندما اضطّرت "إسرائيل" لأول مرة في تاريخها العسكري إلى الانسحاب "فرارًا" من أرض عربية دون اتفاقية سلام أو اتفاقيات أمنية، وهي تعود الآن لتأجيج مشاعر الهزيمة عند المقاومة وأهلها، عبر حرب الإذلال وسحق المعنويات.
يمتهن النظام السياسي في لبنان، مدعومًا بأحزاب "جبهة إسناد اسرائيل"، الاستجداء السياسي والاقتصادي، مقابل ممارسة الحرب والحصار على المقاومة نيابة عن "إسرائيل" وأمريكا وبعض الدول العربية، ليتحول هذا النظام ومؤسساته إلى حراس للسجن والمعتقل (الوطن)، مهمتهم تعذيب المواطنين المقاومين، لقاء ثمن بخس يتمثل في البقاء في السلطة حتى إتمام المهمة، وبعد إنجازها يتم التخلي عنهم؛ كما حدث مع حكام سبقوهم انتهى مصيرهم بالقتل أو النفي أو السجن.
لقد تحوّل النظام السياسي والأحزاب في "جبهة إسناد إسرائيل" إلى منظومة من المرتزقة السياسيين، يحرّكهم المبعوثون الأمريكيون، وينفذون تعليمات السفارات أو التهديدات "الإسرائيلية" عبر المنشورات أو وسائل التواصل الاجتماعي، حتى وصفهم المبعوث الأمريكي براك "بالدولة الفاشلة"، وسَخر من جيشه الذي وصفهم بعمال "الديليفري"، ويتعامل المبعوثون الأمريكيون مع النظام السياسي والأحزاب والإعلاميين كعبيد ومخبرين وعملاء.
تعيد الحكومة اللبنانية والقوى السياسية الموالية "لإسرائيل" تجربة اتفاق 17 أيار، ولكن بصورة أسوأ، تلغي الموقف اللبناني وتنقله من حالة التفاوض إلى حالة توقيع عقد الاستسلام والاستعباد، ويشمل ذلك تنفيذ الترتيبات الأمنية الإسرائيلية والمطالب الأمريكية والعربية لاجتثاث المقاومة، وإلحاق الخسارة بأهلها وطائفتها، دون توقيع اتفاق رسمي، بل عبر أوامر شفهية وتصريحات إعلامية وتحذيرات "إسرائيلية" تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف إهانة الحكومة اللبنانية وإذلالها، وعدم اعتبارها طرفًا يمكن التفاوض معه لكونها ليست دولة... ومع ذلك، تصر هذه الحكومة على استجداء السلام والاستسلام!
لن يُنقذ لبنان من هذا الوضع الاستثنائي والصعب إلا استعادة المقاومة لعافيتها، وعودة المنتمين للحكومة والأحزاب والطوائف إلى وطنيتهم، وتوحيد الكلمة لضمان مستقبل لبنان، وتفادي الوقوع في الخطيئة ووهم الأمان من الأطماع الإسرائيلية، فإذا استطاع العدو الإسرائيلي القضاء على المقاومة واحتلال الجنوب، لما توقف قبل احتلال كل لبنان، وفقًا لما أعلنه رئيس وزراء العدو "نتنياهو" صراحة، بأن لبنان جزء من مشروع "إسرائيل الكبرى".
استلهموا من تجربة السلطة الفلسطينية التي طالبت بالحماية كما لو كانت حيوانات واستلهموا من تجربة سوريا الجديدة التي أعلنت أن عدوها هو المقاومة اللبنانية وإيران، ولم تعلن الحرب على "إسرائيل"، ومع ذلك، احتلت "إسرائيل" جنوب سوريا، واستباحتها بالكامل... فهل ترغبون في أن تصبحوا جيش لحد بنسخة جديدة؟
تذكّروا مصير أنطوان لحد وجيشه، الذين أصبحوا لاجئين مشردين داخل "إسرائيل"، بينما لم تعترف بهم "إسرائيل" وانسحبت دون إشعارهم، تاركة إياهم على بوابة فاطمة... وستترككم أنتم أيضاً في الشوارع أمام المقاومين الشرفاء... ولن يكون ذلك بعيداً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل