هذا هو الحاج محمد عفيف الإنسان ـ محمد دياب

الإثنين 17 تشرين الثاني , 2025 12:51 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

هناك أشخاص يمرّون في حياتنا على هيئة مواقف، لكن بعضهم يحضر على هيئة إنسان في الكثير من السمات الحلوة، يترك في القلب أثرًا لا يُمحى مهما تبدّلت الأيام.

ومن بين هؤلاء، يبقى الحاج محمد عفيف شاهدًا حيًّا على إنسانيةٍ لا تُصطنع، وعلى وفاءٍ لا يعرف الظروف ولا يتبدّل بتبدّل الأزمنة.

قبل أكثر من خمسة عشر عامًا، حين اشتدّ المرض وثقلت عليّ محنة السرطان، كان العالم ضيقًا والقلق أوسع من الاحتمال.

في تلك اللحظة أتاني الخبر الذي أعاد شيئًا من الطمأنينة إلى روحي، عبر الشهيد الحاج محمود الشرقاوي الذي قال:

أتيت موفداً من الحاج محمد عفيف، وتابع السيد حسن يرسل لك السلام ويدعو لك بالشفاء… وفاتورة العلاج سُدِّدت."

لم تكن الكلمات رسالة فحسب، بل كانت يدًا تمتدّ لي في أحلك الأوقات، وتضع على كتفي دفئًا يشبه الحياة.

كيف لا يُحبّ الإنسان من منحه العزّة والكرامة والشرف، بل وكان سببًا في علاجه وعودته إلى أهله؟

وبعد أن استعادت روحي عافيتها، ذهبت لأشكر من كان حاضرًا في أصعب اللحظات.

دخلت مكتب الحاج محمد عفيف للسلام عليه، وكان اللقاء بسيطًا في ظاهره، عميقًا في معناه.

قلت له أنني سآخذ رقم المكتب للتواصل، فابتسم وأجاب بثقة ومحبة: "لا… هذا رقمي الخاص."

حينها فقط أدركت أن التواضع ليس صفة تُكتسب، بل طبعٌ يولد مع القامات الرفيعة.

ثم جاء يوم لا يُنسى…

رحلت الوالدة، ورحلت معها قطعة من القلب.

فإذا بالحاج محمد عفيف يحضر مع وفد من الحزب، ويقول للوالد بكلمات لا تزال ترنّ في الذاكرة حتى اللحظة:

"أعزيكم يا حاج باسم السيد حسن نصر الله."

في لحظة الفقد، حين ينهار الداخل بصمت، كان حضوره عزاءً آخر، وسندًا آخر، وموقفًا لا يشبه إلا أصحاب القلوب الكبيرة.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك.

ففي يوم آخر، اتصل بي الحاج محمود ليطلب حضوري إلى المكتب، حيث كانت المفاجأة:

خاتم من السيد هدية للوالد… عربون تقدير يليق بمن يحملون النبل في قلوبهم.

ومع كل عدوان، ومع كل تهديد، كان الهاتف يرنّ:

"الحاج محمد يطمئن عليكم."

هذا ليس عملًا وظيفيًا ولا مجاملة عابرة.

هذا هو محمد عفيف الإنسان… رجل لا يغيب عن من أحب، حتى في أشدّ الظروف.

إنه الحاضر قبل أن يُدعى، والقريب قبل أن يُطلب، والرجل الذي عرف أنّ الإنسانية لا تتجزأ، وأن الوقوف إلى جانب الناس في محنهم هو أسمى ما يتركه المرء من إرث.

نعم…

إنا على العهد.

عهد الوفاء للإنسان قبل الاسم، وللموقف قبل الخطاب، ولمن كان شريكًا في الألم والشفاء، وفي الفقد والصمود.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل