في رحاب سورة الكهف...﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾

الجمعة 21 تشرين الثاني , 2025 02:45 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

 الثبات-إسلاميات

  قال الله تعالى: ﴿فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا﴾   

هذه الآية تكشف جانبًا خفيًا من عناية الله بعباده المؤمنين؛ عنايةً لا تُرى بالعين، ولكنها تُحسّ بالقلب الذي يثق بالله إذا لفحتْه الفتن وأطبقت عليه الهموم.

 إنّ “الضرب على الآذان” هو إلقاء النوم العميق، نومٌ لا يدخله قلق، ولا يوقظه خوف، ولا يقطعه صوت.

وكأن الله يقول لعباده: من أوى إليّ، سقَيته من سكينةٍ لا تمنحها الدنيا كلّها.

 الفتية خافوا على دينهم، فهربوا إلى كهفٍ ضيق، لكنّ الله فتح لهم بابًا إلى راحةٍ ممتدة عبر “سنين عددًا”.

ومن عجيب مشهدهم أن الله لم يقل: فأنمناهم… بل قال: فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ، كأن السمع بوابة العلَق بالدنيا، فإذا أغلقها الله عن المؤمن صار في حمى السماء. 

وهذه السكينة ليست أول مرة يمنحها الله لأوليائه: فقد قال تعالى في يوم بدر:  ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ﴾  نعاسٌ في ساحة قتال! لكنه كان طمأنينةً من رب العالمين.

 وقال ﷺ في الحديث العظيم: ((إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف))  فإذا كان الرفق عطية، فكيف بسَكينةٍ نازلة من السماء على قلوبٍ صدقت ولجأت؟

 إن الذي أنام الفتية في كهفهم هو الذي يُنيم همّك إذا لجأت إليه، ويُطفئ خوفك إذا وثقت بوعده، ويُسكن قلبك إذا قال لك:﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾  

ما أكثر الضوضاء في حياة الناس، وما أضيق صدورهم، لكن الله قادر أن “يضرب على آذانهم” بسكينةٍ تغمر القلب، وإن ظلّت الدنيا تضجّ حولهم.

فليس المهم أن يهدأ العالم، بل أن يهدأ قلبك.

 لقد كان الكهف في ظاهره موحشًا، لكنّ الله ملأه بالأمان؛ وكانت السنوات طويلة، لكنّ الله جعلها خفيفة؛ وكانت الفتنة عظيمة، لكنّ الله جعل معها مخرجًا.

 فيا ربّ… كما ضربتَ على آذان الفتية فسكنت قلوبهم، اضرب على قلوبنا سكينةً تُطفئ الفتن، واجعل لنا في كلّ عسرٍ باب راحة، وفي كلّ ضيقٍ كهف أمان.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل