الثبات-إسلاميات
في بيوتٍ أذِن الله أن تُرفع… هناك حيث يصفو القلب، وتصفّد الهموم خلف أبواب الدنيا، ويشرق على الروح نورٌ لا تصنعه شمسٌ ولا قمر، بل يسكبه الرحمن سكبًا على من قصد بابه صادقًا.
يقول تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ فهي بيوت رُفعت بالطهارة، وبُنيت على التقوى، وجُعلت منارات للذكر والطمأنينة، وملجأً لكل قلب أثقله الضجيج.
ستدرك يومًا—إن لم تدرك الآن—أن ذهابك إلى المسجد لم يكن عادةً تُؤدّيها، ولا واجبًا ثقيلًا تُسقطه، بل كان أجمل لحظات عمرك؛ هناك حيث يجد القلب موطنه.
كيف لا؟ وقد قال الله: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ وقال النبي ﷺ: ((وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتْهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)).
ما أجمل تلك الخطوات التي تمشيها إلى المسجد؛ خطواتٌ يكتبها الله نورًا لك يوم القيامة. قال ﷺ: ((بشّر المشّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)).
وما أكرم تلك الساعات التي تجلس فيها بين الجدران المباركة، تستريح من تعب الدنيا، وتنتقل إلى فسحةٍ ربانية لا يعرف قدرها إلا من ذاقها.
قال ﷺ عن قلب المعلّق بالمساجد: ((ورجلٌ قلبه معلّق بالمساجد)) وهو من السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه.
وفي تلك اللحظات التي تمسك فيها المصحف، وتفتح صفحةً بكلمات الله، يتبدّد ضيقك، وتنساب على قلبك سكينة لا تشبه شيئًا آخر.
وكيف لا وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، وقال رسول الله ﷺ: ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه)).
وما أكرم مجلس الذكر! فالألسن فيه رطبة، والقلوب مخبتة، والنفوس ترتقي من أرض الطين إلى فضاءات النور قال ﷺ: ((سبق المفردون)) قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات)).
وفي المسجد يكون الذكر له طعمٌ آخر… طعمُ القرب، وطعمُ الصفاء، وطعمُ أن تضع رأسك بين يدي الله قائلًا: "يا رب… أنت ملجئي ومعتمدي".
وهكذا، حين يجمع الله لك: خطوات إلى المسجد، وجلوسًا في رحابه، وقراءةً لكتابه، وذكرًا لاسمه… عندها ستدرك أنها ليست أفعالًا متفرّقة، بل هي لحظات صنعت أجمل أيامك، ورفعت قدرك، وطهّرت قلبك، وأبقت روحك حيّة مهما أثقلتْها السنين.
ستدرك يومًا—وربما اليوم—أن المسجد ليس مجرّد مكان… بل وطنٌ للروح، وراحةٌ للقلب، وجنّةٌ تُعاش قبل جنة الآخرة.
حين تُصابُ سفينة الأمة… فابدأ بنفسك أولًا
في رحاب سورة الكهف {إذ أوى الفتية إلى الكهف}
الحياة الطيّبة.. ثمرة القرب من الله