عملية أستراليا... بين "تبييض" الصورة "الإسرائيلية" والتحضير لاعتداء مقبل ــ د. نسيب حطيط

الإثنين 15 كانون الأول , 2025 09:16 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
سَمع العالم دوي بضع رصاصات أُطلقت ضد مدنيين يهود في سيدني بأستراليا، من قبَل "مجهولين" لم تُعرف هوياتهم أو دوافعهم بعد، وتضامن العام مع الضحايا، وتجاوزت ردود الفعل العالمية السريعة ما أثارته الإبادة الجماعية "الإسرائيلية" ضد أهالي غزة ولبنان، إذ لم تُحرِّك مذابح قتل وجرح ربع مليون فلسطيني ولبناني وتدمير مئات الآلاف من المنازل والمؤسسات والمساجد ما أثاره هذا الحادث الأخير، ولم يتأخر الحكام والدول، بمن فيهم العرب والمسلمون، الذين تعرضوا للقتل "الإسرائيلي" في لبنان وغزة، وسارعوا للاستنكار والإدانة والندب حزناً!
لا نقاش حول عدم تأييد قتل المدنيين، لكن الموقف العالمي الذي يتجاوز قتل مئات الآلاف في لبنان وغزة هو ما يثير الإدانة، ويبرر البعض حق "إسرائيل" بقتل للمدنيين، ويسارع لمعاقبة وحصار المقاومين والمدافعين عن أنفسهم.
نحن اللبنانيون نخشى من أي عملية تستهدف "الإسرائيليين" في الخارج، لأننا اعتدنا دفع ثمن ما تُخطط له "إسرائيل"، فعندما جرت محاولة اغتيال السفير "الإسرائيلي" في لندن بعملية مشبوهة، اتخذتها "إسرائيل" ذريعة لاجتياح لبنان عام 1982، وكلما كان الفدائيون الفلسطينيون يقومون بعملية ضد الرياضيين "الإسرائيليين" في ميونيخ أو يخطفون طائرة، كان لبنان مسرحًا للرد "الإسرائيلي"، خصوصاً أن "إسرائيل" لم توقف الحرب ضدنا، ولا تزال تهددنا بحرب كبرى بقيادة أمريكا، لذلك يجب قراءة العملية من خلال أربعة تفسيرات محتملة:
-  أن تكون ردة فعل فردية وانفعالية على المجازر التي ترتكبها "إسرائيل" ضد الشعب الفلسطيني.
- أن تكون من تدبير المخابرات "الإسرائيلية" أو الأمريكية لتجميل صورة "إسرائيل" وإظهارها كدولة تدافع عن شعبها، مما يغطي ويحجب كل التوحش والإجرام "الإسرائيلي" الذي مارسته ضد الشعب الفلسطيني، وينهي موجة التضامن العالمي مع غزة بعد انتهاء الحرب، وكما يجيز الحاخامات "الزنا "للمرأة اليهودية من أجل الأمن القومي "الإسرائيلي"، ربما يجيزون قتل اليهودي لتأمين الأمن القومي اليهودي.
- أن تكون بداية لحملة ضد المهاجرين، تأتي بعد حملة ترامب ضدهم والمطالبة بترحيلهم، وإعلانه أن أوروبا ستفقد حضارتها طالما تستقبل المهاجرين، ضمن حملة الحرب الديموغرافية العالمية التي يشنها ترامب، سواء بتهجير الفلسطينيين وتوزيعهم على العالم أو بتهجير الأقليات في سوريا، واجتثاث المسيحيين من الشرق، وإعادة توزيع الجغرافيا وسكانها في منطقة الشرق الأوسط.
- ربما كان الهدف هو تأمين مبرّر لحرب قادمة ضد إيران أو المقاومة في لبنان، خصوصاً أن اتهام إيران لم يتأخر سوى بساعات قليلة قبل بدء التحقيق، وكأنه تم كتابة الاتهام والقرار بالعملية على ورقة واحدة.
إن ما يثير الانتباه ويستدعي الحذر هو أنه خلال 24 ساعة تعرّض الجنود الأمريكيون لعملية عسكرية في سوريا، واتُهمت "داعش"، وتعرض يهود مدنيون لإطلاق نار في أستراليا واتُهمت إيران، مما يوحي بأن الحرب القادمة للتحالف الأمريكي - "الإسرائيلي" ستكون ضد "داعش" وإيران بتهمة الإرهاب، ومعاقبة المجرمين وفقًا للتوصيف الأمريكي - "الإسرائيلي"، حيث وضمن هذا السيناريو سيُعاقب المجرمون الفعليون ("إسرائيل" وأمريكا) "داعشَ" التي رعوها وصنعوها ووظفوها لحماية مصالحهم، وكذلك إيران التي يحاصروها منذ 40 عامًا.
نجحت "إسرائيل" في استثمار عملية وقعت على يد "مدني" في استراليا، سواء كانت هي المدبّرة أم لا، وخلال ساعات تم طمس الجريمة "الإسرائيلية" ضد غزة ولبنان، واستبدالها بجريمة ضد السامية على يد مسلمين مهاجرين باكستانيين ضد يهود أستراليا، دون ان ننسى الاتهام الباكستاني "لإسرائيل" ومساعدتها للهند قبل أشهر وعادت مسرحية الهولوكوست المشبوهة للظهور، لإبراز مأساة الشعب اليهودي.
الحروب الأمريكية - "الإسرائيلية" ليست حروبًا عسكرية فقط، بل هي حروب نفسية وثقافية وإعلامية، وربما تضمنت قتل بعض جنودهم ومدنييهم لتأمين مبررات حروبهم القادمة، وكما فعلوا مع "القاعدة" و"داعش" و"النصرة" و"جبهة تحرير الشام" وأخواتها، حيث شنّوا الحروب واحتلوا الدول بحجة مطاردتها والقضاء عليها، ثم احتفلوا "برش العطر" على "الجولاني" أمير "جبهة النصرة" بعد انجاز المهمة!
أعاد "الإسرائيليون" تثبيت مقولتهم إنهم شعب الله المختار، ومشى العالم وراءهم مصدقًا ومصفقًا لهذه المقولة، ليصبح القتيل "الإسرائيلي" أهم وأغلى من مئات الآلاف من القتلى الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والعراقيين والإيرانيين واليمنيين، وكذلك الفنزويليين والكوبيين في الحروب القادمة، والمؤسف أن بعض اللبنانيين والعرب أدانوا عملية سيدني ويؤيدون الجرائم "الإسرائيلية" ضد الفلسطينيين واللبنانيين.
ويبقى السؤال: إلى أين ستتوجه الطائرات الأميركية و"الإسرائيلية" بحجّة الثأر لضحايا استراليا؟ وهل ستبدأ الحرب خارج الجغرافية الشرق أوسطية، لتصبح على مستوى العالم؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل