الثبات-إسلاميات
حين تتنزّل النوازل، وتضطرب الأحوال، وتتكاثر الخطوب، تتجه الأبصار تلقائيًا إلى الخارج: من المسؤول؟ من المخطئ؟ من أين جاءت هذه المحنة؟
لكنّ القرآن يعيد البوصلة إلى نقطة البداية، إلى الداخل… إلى النفس.
يقول الله تعالى مخاطبًا المؤمنين يوم أُحد: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ لم يكن الخطأ من قلّةٍ في العدد ولا عجزٍ في العُدّة، بل من غفلة طارئة، وتخلٍّ متعجَّل عن الأمر الرباني وعن أمر رسول اللهﷺ هكذا يعلّمنا الوحي: ابدأ بنفسك قبل أن تفتّش عن الآخرين.
إن البلاء لا ينزل عبثًا، ولا المصيبة تأتي اتفاقًا، وإنما هي رسائل توقظ الغافل، وتردّ الشارد، وتلين القلوب القاسية قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾
فإذا رأيتَ البلاء، ففتّش عن نفسك؛ ربما كانت الغفلة طويلة، أو كانت المعصية مُصِرّة، أو كان القلب بحاجة إلى رجعة صادقة.
فما ينزل بنا من شدائد إنما هو تذكير ورحمة، ومع ذلك يعفو الله عن كثير مما نستحق، فلو أخذنا بكل ذنوبنا لَمَا ترك على ظهرها من دابّة.
ويا لها من كلمة موقظة: “ألا فليستيقظ قلبك، ولا تكن سببًا في نزول البلاء على المؤمنين بغفلتك ولا بإصرارك على معصية ربك.”
فإن القلوب حين تغفو تُظلم الطرق، وحين يقسو الفرد تتأذّى الجماعة، وحين يضعف الوازع يختلّ البناء كلّه. ولهذا ضرب النبي ﷺ لنا المثل البليغ في تصوير أثر الفرد على المجتمع، فقال ﷺ: ((مثلُ القائمِ على حدودِ الله والواقعِ فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينةٍ، فأصاب بعضُهم أعلاها وبعضُهم أسفلَها، فكان الذين في أسفلِها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجَوْا ونجَوْا جميعًا))
هكذا الأمة… ينجو الجميع بطاعة واحد، ويهلك الجميع بثغرة واحد.
كلّ فرد في السفينة مسؤول؛ ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...))
فمن نقب ثقبًا أغرق الجميع، ومن سدّ الخلل نجا الجميع وهكذا الأمة؛ يُصيبها الخير بطاعة أفرادها، ويعمّها البلاء بغفلتهم.
إن صلاح الأمة يبدأ من قلب واحد يستيقظ، ومن عين تدمع خشية، ومن تائب يطرق باب مولاه فإذا عاد كلّ واحد منّا إلى نفسه، وأصلح سريرته، وأقام أمر ربّه، تبدّلت الحال، وزال البلاء، ورفرف الأمن قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
فابدأ بنفسك… فهناك يبدأ الفرج، وأمر بالمعروف بلطف وإحسان وهناك تُولد نهضة الأمة من جديد بإذن الله تعالى.
في رحاب سورة الكهف {إذ أوى الفتية إلى الكهف}
الحياة الطيّبة.. ثمرة القرب من الله
نفحات الجمعة: لا تقنطوا من رحمة الله