أقلام الثبات
كثُرت النوادر على مواقع التواصل الاجتماعي، حول سبب دخول الرئيس أحمد الشرع من باب جانبي للبيت الأبيض بدلاً من المدخل الرئيسي، ثم في عدم استقباله من قبل الرئيس ترامب في "الركن الأصفر" المخصص للرؤساء حول "المدفأة"، واكتفى أنصار الشرع بالقول إن مجرد دخوله إلى البيت الأبيض هو إنجاز، وإن الرئيس الأميركي جالسه أكثر من ساعتين، وجرى تبادل الهدايا، ونثره ترامب بالعطر.
لكن ترامب قبل أن يعطِّره يبدو أنه رشقه بتعليمات وأوامر عمليات حملها في رحلة العودة بمحفظة مُثقلة، لإدارة الفوضى في بلاده، المقبلة مع الأسف على أيام سوداء.
ولعل أبرز تعليمات ترامب للشرع هي التالية:
- ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو الذي قدَّم الشرع للإدارة الأميركية، ضامناً له، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو الذي أتى به إلى السلطة بديلاً عن الرئيس بشار الأسد، بما يعني وجوب أن يكون الشرع محل ثقة هذين الطرفين الإقليميين.
- على سلطة الشرع التطبيع الكامل مع "إسرائيل" والانضمام إلى الدول العربية الموقِّعة على "اتفاقية أبراهام"، وطرد من اعتبرهم ترامب "الإرهابيين" الفلسطينيين من سوريا، بمَن فيهم القيادات السياسية والعناصر المسلحة.
- طرد كافة المقاتلين الأجانب وإعادتهم إلى البلدان التي قَدِموا منها، وفي هذا الإطار يأتي التعجيل بتطبيق اتفاقية آذار مع قائد "قسد" مظلوم عبدي أمراً ضرورياً، لضم الألوية الكردية إلى وزارة الدفاع السورية، وهي التي سيكون على عاتقها محاربة "داعش" والمقاتلين الأجانب، لأن مجموع قوات الأمن العام والجيش التابعين لوزارة الدفاع تحت إمرة الشرع لا يتجاوز الثلاثين ألفاً بعد استبعاد الأجانب.
هنا تبرز عقدة الأجانب الذين وصل أحمد الشرع على أكتافهم إلى السلطة، ومعظمهم من المتطرفين الدينيين الساعين إلى إقامة "دولة الخلافة"، والرافضين لتوجهات السلطة السورية الحالية التي تجنح برأيهم نحو إقامة دولة مدنية علمانية، والحرب عليهم مسألة وجود بالنسبة لهم، خصوصاً بعد رفض الصين عودة "الإيغور" إليها، ورفض روسيا عودة "الأوزبك" و"الطاجيك" و"الشيشان" وسواهم من دول آسيا الوسطى إلى الدول المجاورة لها، لاسيما إلى داغستان، وشعور هؤلاء بخطر الإبادة قد يدفع بهم إلى الانضمام إلى تنظيم "داعش".
انضمام قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى وزارة الدفاع السورية لن يستوجب فقط تغييراً على مستوى وزارة الدفاع، بل انقلاباً حكومياً كاملاً على حكومة اللون الواحد، وهذا ما يتطلب النظر بوضع "الأقاليم المستحدثة" وإمكانية تمثيلها في الحكومة وفق شروط قيادات هذه الأقاليم: الدرزية والعلوية والكردية، وهذه الحكومة قد تكون الأولى في الدولة السورية الفيدرالية، لكن يلزمها وقت طويل لتشكيلها بعد الجراح التي ما زالت تنزف في الساحل والسويداء.
الجديد في الوضع السوري هو قديم بالنسبة لأميركا، لأن الرئيس دونالد ترامب علَّق قبل استقبال الشرع على قضية انفصال السويداء عن سوريا بالقول: السويداء قرية، ويريدون أن يجعلوا منها دولة؟ فليذهبوا ويتفاهموا مع حكومتهم، بما يعني، أن ما ينطبق على دروز السويداء ينطبق على علويي الساحل وأكراد الشمال الشرقي: حكم ذاتي محلي تحت حمايات دولية مختلفة وقواعد عسكرية متنوعة في دولة فيدرالية ممزقة، محكومة من الخارج بحكم الأمر الواقع السوري الجديد، وربما يكون قد انتهى موضوع الأقليات في احضان حمايات إقليمية ودولية، ليأتي دور سنَّة سوريا، الذين ضاقوا ذرعاً من الأجانب ومن "شيوخ" هيئة تحرير الشام وهيمنتهم بمنطق القوة القهَّارة على مقدرات الحياة الاقتصادية والاجتماعية وحتى الدينية في المجتمع السوري.
غزة ... الإيواء أولاً
لبنان بعد التطويع... "إبراهامية" وتطبيع؟ - عدنان الساحلي
لقاء ترامب والجولاني يكشف مشروعًا إرهابيًا واحدًا _ د. نسيب حطيط