خاص الثبات
في صباحٍ من نوفمبر البعيد، كان الجنوب اللبناني على موعدٍ مع ولادةٍ جديدةٍ للمقاومة، مع لحظةٍ هزّت وجدان العدوّ وأيقظت في الأمة روح العزّة. هناك، في مدينة صور، ارتفع صهيلُ البطولة من بين الركام والدخان، ليعلن للعالم أن دماء الشهداء أقوى من دبابات الاحتلال، وأن إرادة الإيمان تصنع المعجزات حين تعجز الجيوش.
كان أحمد قصير، ابن الثامنة عشرة، يحمل بين أضلعه قلباً أكبر من عمره، وإيماناً يفيض بالعزم والثقة. لم يكن يبحث عن موتٍ عابر، بل عن حياةٍ أبديةٍ تُكتب بمداد التضحية. حين قاد سيارته المفخخة نحو مقرّ الحاكم العسكري الإسرائيلي، لم يكن يسير إلى الفناء، بل إلى الخلود. في تلك اللحظة، كان الجنوب كلّه يختصر في شابٍ واحدٍ قرّر أن يكتب بدمه فجر المقاومة، وأن يجعل من جسده جسر عبورٍ نحو التحرير.
دوّى الانفجار، واهتزّت أركان العدو، وسقطت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” بين أنقاض المبنى المؤلف من ثمانية طوابق. أكثر من مئةٍ وأربعين قتيلاً من جنود الاحتلال، وقلقٌ عمّ الكيان الغاصب الذي وجد نفسه أمام نوعٍ جديدٍ من المقاومة، مقاومةٍ لا تعرف الخوف ولا ترضى بالذل. يومها، أعلنت إسرائيل الحداد، بينما كان الجنوب يبتسم في صمتٍ فخور، فقد وُلد يوم الشهيد، وارتفعت راية الكرامة من دم أحمد قصير.
سنواتٌ مرّت، وما زال اسمه يسطع كلّما ذُكر الصبرُ والفداء. لم يكن أحمد أوّل شهيدٍ فحسب، بل كان الشرارة الأولى التي أنارت درب المجاهدين، والنبض الذي لا يخبو في قلب المقاومة. من بعده سار رفاقه على الطريق ذاته، يحملون العهد بأن لا تنحني هذه الأرض إلا لخالقها، وأن تبقى بندقية المقاومة يقظةً ما دام في الصدر نفسٌ ينبض بالحرية.
لقد علّمنا أحمد قصير أنّ البطولة ليست في كثرة العتاد، بل في صدق النية وإخلاص العقيدة. وأن من يهبّ روحه لله لا يُهزم، لأن الحياة الحقيقية تبدأ لحظة العروج إلى السماء. وهكذا تحوّل ذاك الفتى الجنوبي إلى أيقونةٍ خالدةٍ، تزرع في الأجيال معنى الكرامة، وتذكّرهم بأنّ الدم حين يُسكب في سبيل الحقّ لا يذهب هدراً، بل يُزهر نصراً.
رحل أحمد قصير، لكنّ صدى عمليته ما زال يتردّد في وجدان الأمة، يذكّرها بأنّ الاحتلال زائل، وأنّ الأرض التي تنجب أمثال أحمد لا تُداس. سيبقى يوم الشهيد يوماً للوعد، للوطن، وللقَسَم بأنّ درب المقاومة مستمرّ، ما دام في الجنوب نبضٌ يهتف:
"هيهات منّا الذلّة."
الفجور الأمريكي: المقاومة وجود إيراني! ــ د. نسيب حطيط
في يوم الشهيد: عهدٌ لا يُنكسر وصمودٌ على طريق الوفاء
هل ترشيحُ "الفاسد" وانتخابه عمالة وإعانة للعدو؟ ــ د. نسيب حطيط