أقلام الثبات
نشرت وكالة "رويترز" تقريرًا في الأيام الفائتة، يتحدث عن نية الولايات المتحدة إنشاء قاعدةٍ جويةٍ في مطار المزة العسكري الواقع ضمن النطاق الجغرافي للعاصمة السورية دمشق، فهل يعتبر هذا الحدث مجرد بندٍ عسكريٍ جديدٍ في سجل تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، أو أبعد من ذلك؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا من الإضاءة بإيجاز على الأحداث التي شهدتها سورية والمنطقة، خصوصاً في العقدين الأخيرين اللذين سبقا هذا الحدث أي (إنشاء القاعدة الأميركية في دمشق "قلب العروبة النابض " كما كانت قبل سقوط الدولة).
لقد برز الاهتمام الأميركي بقوةٍ في المنطقة، إثر ما يعرف "بثورات الربيع العربي"، التي رعتها ومولتها ودعمتها واشنطن، لإعادة سيطرتها الكاملة والمباشرة على المنطقة، وإخراج سورية من محور المقاومة، وتطويق النفوذ الروسي في الشام، بعد إسقاط الدولة السورية، ثم الإتيان "بسلطةٍ" إرهابيةٍ هشةٍ مكان الدولة المذكورة، بالإضافة إلى إحتلال الأراضي البلاد السورية ، وبناء القواعد الأميركية والصهيونية على هذه الأراضي، وسط صمت "سلطة الأمر الواقع في دمشق"، الصاغرة أمام العدو، غير أنها في الوقت عينه، لاتزال "نشطة" جدًا في قتل السوريين والتنكيل بهم، بالتالي تستمر في المضي في تنفيذ "مشروع" تمزيق النسيج الاجتماعي السوري، ما أدى إلى مطالبة مكوناتٍ أساسيةٍ من الشعب السوري إلى إقامة حكمٍ ذاتيٍ و ماشاكل، علّه أن يقيهم إرهاب السلطة المذكورة وإجرامها وبطشها.
وبكل واقعيةٍ صار لواشنطن و"تل أبيب" ما تريدان، فقد أصبحت دمشق (قلب العروبة النابض) تحت النفوذ الأميركي - الصهيوني المباشر، ما يعزز هذا النفوذ في المنطقة، على حساب النفوذ الروسي - الإيراني. كذلك تسهم السيطرة على دمشق في تعزيز دور الولايات المتحدة كقوةٍ بريةٍ في إدارة التجارة العالمية، فهي كانت عبر التاريخ قوةً بحريةً، ولكنها تسعى راهنًا لكي تنافس الصين في التجارة حول العام عبر الخطوط البرية، بخاصة تنفيذ مشروع وصل خط السكك الحديدية بين الهند وحيفا، الذي ينافس "خط الحزام والطريق" الصيني، أو ما كان يعرف بـ "خط الحرير". وفي حال نجاح هذا المشروع، ستستغني الولايات المتحدة إلى حدٍ كبيرٍ عن الممرات البحرية، كقناة السويس وباب المندب...
"فالولايات المتحدة، وهي تقيم قاعدة في دمشق، تحاول اختراق الحصن الأخير لليابسة الأوراسية (أوراسيا: أسم مركب من كلمتي أوروبا وآسيا، ويشير إلى كتلة دولية تضم بعض دول قارتي آسيا وأوروبا المتلاصقة عند الحدود الجغرافية) الممتدة أي (اليابسة الأوراسية) من بحر قزوين إلى المتوسط، فذلك يمثل أيضًا اختراقًا رمزيًا لمركز الثقل الأوراسي، وتنذر بمرحلةٍ جديدةٍ من "الحرب الجيوحضارية"، التي لا تُخاض بالدبابات فقط، بل بالمعاني والرموز"، بحسب رأي مصادر سياسية سورية واسعة الاطلاع.
كذلك يؤكد مرجع سياسي سوري وخبير في العلاقات الدولية أن "دمشق، بعراقتها التاريخية وعمقها الرمزي، ليست موقعًا عاديًا على الخريطة، بل عقدة روحية وجغرافية تربط الشرق بالغرب، واليابسة بالبحر، والتاريخ بالمستقبل، ومن يضع موطئ قدمٍ فيها، لا يسيطر على مساحة، بل يلمس أعصاب القارة نفسها"، على حد تعبير المرجع. ويلفت إلى أن "دمشق تقع على عقدةٍ استراتيجيةٍ فريدةٍ، فمن الجنوب تلامس "إسرائيل" والأردن، ومن الشرق العراق، ومن الشمال تركيا، ومن الغرب لبنان والبحر المتوسط، فأي تحركٍ عسكريٍ حولها يُعيد رسم خرائط القوة في المنطقة كلها".
"لذا تعمل واشنطن إلى تحويل سورية من "ساحة نفوذ روسي – إيراني" كما كانت قبل سقوط الدولة في الثامن من كانون الأول الفائت، إلى نقطة تماسٍ مشتركةٍ بين واشنطن و"تل أبيب" من جهة، "وسلطة الأمر الواقع في دمشق" الراهنة من جهة أخرى، في إطار تفاهماتٍ أمنيةٍ جديدةٍ تصب في حماية أمن الكيان الصهيوني على مدى متوسط على الأقل، وفي خدمة المصالح الأميركية في المنطقة"، يختم المرجع.
قاعدة أميركية في دمشق: تحويل سورية من "ساحة نفوذ روسي – إيراني" إلى إلى نقطة تماسٍ بين واشنطن وتل أبيب.. مع "النصرة" _ حسان الحسن
الأحد 09 تشرين الثاني , 2025 02:24 توقيت بيروت
أقلام الثبات
أمريكا... و"دومينو" التكفيريين لخدمة مصالحها _ د. نسيب حطيط
"إسرائيل" عاشر الحملات الصليبية ــ عدنان الساحلي
الحرب الثقافية... وتغيير المفاهيم ــ د. نسيب حطيط