أقلام الثبات
يواجه المشروع المقاوم وحركات المقاومة والمقاومون، كأفراد وعوائل، حالة من الحصار والتشفي والانتقام تجاوزت كل الحدود الأخلاقية والقانونية، وسط انقلاب في المعايير والمفاهيم، فأصبح المقاوم الشريف منبوذاً ومعزولاً ومتهماً ومطلوباً للمحاكمة، بينما تحوّل العميل والمتخاذل إلى قاضٍ ورئيس محكمة تُصدر أحكاماً غيابية بتجريم المقاومين وحركات المقاومة وإسقاط حقوقهم الإنسانية في الدفاع عن النفس، ليقوم العدو "الإسرائيلي" بتنفيذ هذه الأحكام بالاغتيالات والقصف في لبنان وغزة وفي أي ساحة مقاومة في المنطقة التي أوشكت على فقدان هويتها، وبات مستقبلها يُكتب بأيدي أمريكا و"إسرائيل".
لقد تنكّر الجميع للمقاومة، وتناسوا انتصاراتها وإنجازاتها على مدى أربعين عاماً، وتجاهلوا عطاءها، فبعض من كانوا مهمّشين أصبحوا ذوي شأن، وبعض من سامحتهم المقاومة على أخطائهم وتجاوزت عمالتهم، انتفضوا الآن ليطعنوها، مستغلين جراحها وصبرها للانتقام وإثبات رجولتهم المفقودة، وهم الذين ينتعلهم الغزاة والمحتلون وأي قوة تسيطر على لبنان، ولهم القدرة على التحول ذاتياً، لتتناسب قاماتهم مع قياسات أقدام أسيادهم، ويتلونون وفق ذوق منتعليهم الجدد!
إنهم يحاكمون المقاومة والمقاومين بتهمة الوطنية ومقاومة الاحتلال، ويسألونهم: لماذا بقيتم أوفياء غير عملاء؟
ويحاكمونها لأنها انتصرت للمظلومين في غزة وساندتهم، بينما أيدوا الاحتلال في حربه ضد لبنان وغزة.. وحتى لو افترضنا أن المقاومة أخطأت، فإن أخطاءها كانت عن حسن نية وأخلاق ونخوة، فالمقاصد هي أساس الأعمال، والأسوأ من ذلك أن بعضهم أيّد حرب الإسناد وباركها حتى لحظة استشهاد "السيد"، ثم انقلبوا وانحازوا للقتلة والعملاء والتكفيريين.
يطالبون المقاومة بتسليم سلاحها الدفاعي، ويؤيدون العدو "الإسرائيلي" في قتْلنا واستباحة أرضنا؛ في مشهد من العمالة والنذالة لم يسبق له مثيل، دون أن يتذكروا مصير عملاء "إسرائيل" الذين يلقي بهم المحتل كأشياء مهملة يرفسها عند انسحابه؛ كأعقاب السجائر.
غابت النخب الثقافية والفكرية عن ساحة المعركة، تاركة المشروع المقاوم وحيداً، مثخناً بالجراح يقاتل بمفرده ونامت الأمة بأسرها، من أنظمة وشعوب وأحزاب ومفكرين وعلماء دين، كما لو كانوا في سبات عميق وفي "كهف" لم يفرّوا إليه، حفظاً لدينهم، بل حفظاً لدنياهم الذليلة.
إن حماية المشروع العربي - الإسلامي المقاوم هي مسؤولية كل مواطن، بغض النظر عن حزبه، أو طائفته، أو قوميته، وليست حكراً على فئة قليلة ما زالت تقاوم رغم جراحها، ويصفها البعض بالطائفة «المجنونة» والمغامرة التي تصل إلى حد الانتحار، لرفضها الانضمام إلى قطار التطبيع والسلام الملوّن بالذل والهوان.
يجب على المثقفين وأهل العلم والدين والمعرفة أن ينفروا لحماية وتثبيت فكرة المقاومة كمشروع يمكن أن يخسر معركة دون أن يخسر مبادئه وينبغي العمل، جماعياً وفردياً، على "إتلاف" بذور الانهزام والاستسلام والخضوع التي يزرعها المستعمرون والغزاة والمُرجفون والعملاء من خلال أقلام الكتّاب المأجورين في عقول الشباب، ولا سيما تحريف تفسير الآيات القرآنية لتطويع المؤمنين، أو حجب الآيات التي تدعو للقتال والمقاومة، حتى تصبح العقلانية والموضوعية تعني أن تسير بخطى ثابتة ليقطع العدو رأسك وهو جالس على كرسيه.
نحن على وشك خسارة المعركة الثقافية والدينية والحضارية تحت ضغط الخسائر العسكرية الميدانية، وهذا خلاف المنطق والموضوعية، فربما تُخسر معركة عسكرية، لكن ليس بالضرورة أن تُخسر معركة الفكر، فالحرب لم تنته ولن تنتهي، والصراع سيبقى قائماً حتى هزيمة أحد الطرفين... إما أن ننتصر نحن أو ينهزم العدو.
من الضروري لفت انتباه خصوم المقاومة في لبنان والأعداء في الخارج إلى أن صمت المقاومة ليس استسلاماً أو عجزاً، بل هو إعداد للمعركة القادمة التي يُحضّر لها العدو. ونصيحتنا للخصوم في لبنان هي عدم المراهنة على انضباط وصبر المقاومة كتنظيم، واستمرار استفزازها وزيادة الضغوط عليها وعلى أهلها، فربما يُولّد هذا حراكاً ثالثاً خارج «الثنائية» ومن رحمهما من أبناء الشهداء والمقاومين، يبادرون إلى الثأر المنظم والعاقل، والانتقام المشروع والعادل ممن غدروا، ثأراً لآبائهم الشهداء وحفظاً لظهر المقاومين الذين يستعدون للمواجهة. ما زالت المقاومة قادرة على الاقتصاص من عملاء الداخل وأهل الغدر، بل ومواجهة العدو، لكنها سترد في اللحظة التي ترى فيها قدرتها على إعادة توازن الردع، وهي تدفع الأثمان المادية والمعنوية والبشرية الباهظة. ويكفيها فخراً وتضحية أنها قدمت أكثر من 300 «قربان-شهيد» خلال عام واحد، وستبقى تقدم ما احتاجت إليه المعركة. قال الإمام الصدر: «لن نقبل أن يبتسم لبنان ويبقى جنوبه متألماً".. ونقول: "لن نسلم سلاحنا مادامت أرضنا محتلة ومستباحة».
المقاومة في مواجهة الانهزام والعمالة والأعداء ــ د. نسيب حطيط
الخميس 06 تشرين الثاني , 2025 09:18 توقيت بيروت
أقلام الثبات
قراءة في الكتاب المفتوح من حزب الله: تحرّكوا قبل فوات الأوان
الشرع إلى واشنطن لمحاربة "الجولاني" ــ أمين أبوراشد
لبنان بين مبعوث الغاز الأمريكي والمنظومة السياسية الفاشلة ــ د. نسيب حطيط