لبنان بين مبعوث الغاز الأمريكي والمنظومة السياسية الفاشلة ــ د. نسيب حطيط

الأربعاء 05 تشرين الثاني , 2025 10:01 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
لمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاتفاق تشرين المشؤوم، صرّح المبعوث الأمريكي الخاص بشؤون الغاز؛ هوكشتاين، محاولًا تجسيد دور المحقق "الحنون" الراغب في مساعدة لبنان وإعادة إعمار الجنوب، متناقضاً مع دور المحقق القاسي والمتوحش توماس براك، الذي احترف إذلال الدولة اللبنانية ومسؤوليها وإعلامييها، مُصرًا على نزع سلاح المقاومة.
لا شك أن الولايات المتحدة تعيش حالة من الارتباك في لبنان، لعدم قدرتها على تحقيق جميع أهدافها خلال عام كامل، رغم تحقيقها إنجازات ملموسة، كإصدار الحكومة قرارًا بنزع سلاح المقاومة، والسيطرة على قرارات الحكومة ومجلس النواب، وتشكيل منظومة سياسية جديدة موالية لها، ومع ذلك فشلت أمريكا في السيطرة الكاملة على لبنان واجتثاث المقاومة، ما أدى إلى تغيير ثلاثة مبعوثين أمريكيين خلال العام (هوكشتاين، وبرّاك، وأورتاغوس)، وتغيير السفير الأمريكي، وتغيير قائد آلية التفاوض (الميكانزم) مرتين أو ثلاث مرات.
إن تزاحم وتسارع بعض الأحداث في لبنان خلال الشهرين الماضيين، يثير القلق والخوف، ويستدعي حالة من الاستنفار السياسي والميداني والقانوني لقوى المقاومة، لتقليل الخسائر، إن لم يكن من الممكن منعها كليًا، وذلك نتيجة للظروف الاستثنائية والصعبة التي تمر فيها المقاومة، والتنافسات الداخلية اللبنانية التي تخدم "إسرائيل" وأمريكا، والتي تتشارك في هدف قطع رأس المقاومة، ويمكن الإشارة إلى بعض هذه الأحداث والوقائع:
-  قبول لبنان للطرح الأمريكي بإجراء مفاوضات مباشرة، وإشراك دبلوماسيين وسياسيين لبنانيين، فوافق على هذا الشرط مع تعديل شكلي، حيث تُجرى المفاوضات المباشرة عبر لجنة "الميكانزم"، وبشراكة مدنيين يمكن أن يكونوا من وزارة الخارجية، أو يُعيَّنون مباشرة من مجلس الوزراء، ما يجعل المفاوضات مباشرة من حيث المضمون، مع خداع في الشكل والتوصيف.
-  موافقة الحكومة اللبنانية على اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص، وما نتج عنها من خسارة لبنان لما يقارب 2500 إلى 5000 كيلومتر مربع دون مقابل، تُضاف هذه الخسارة إلى تنازل لبنان في حقل كاريش والخط 29، وقد تم إقرار الخسارتين بإجماع من الحكومة اللبنانية والأحزاب والقوى السياسية الموالية والمقاومة.
-  دخول مصر على خط المفاوضات بين لبنان و"إسرائيل"، متجاوزةً التدخل السعودي والقطري والإماراتي ظاهريًا، وذلك بناءً على طلب أمريكي بعد نجاحها في الضغط على حركة حماس في غزة.
- الإعلان المصري عن تصدير مصر للغاز إلى لبنان، وتلزيم لبنان البلوك رقم 8 لشركات فرنسية وقطرية وإيطالية.
- تنازل الوزير جنبلاط عن "شبعا" – مع أنه غير ذي صفة أو صلاحية للتنازل – لتسهيل الطريق أمام الحكومة اللبنانية، للتنازل عنها تحت الضغوط الأمريكية - "الإسرائيلية" عند بدء ترسيم الحدود مع سوريا وسلب المقاومة أحد أوراقها المبرّرة لبقاء سلاحها، مع أنه كان بإمكانه طرح الانسحاب "الإسرائيلي" منها بدل التنازل.
إن الخسائر المتراكمة التي شاركت فيها كل القوى السياسية المشاركة في الحكومات اللبنانية، والتي بدأت بالتنازل عن الخط 29 البحري في الجنوب، وأعقبها التنازل البحري لقبرص، وتنتظر أن تتنازل عن "شبعا"، ومحاولة إظهار هذه التنازلات على أنها ربح وانتصارات خلاف الواقع، شجعت العدو "الإسرائيلي" والراعي الأمريكي على فرض شروطه وطرح المنطقة الاقتصادية العازلة في جنوب لبنان، اعتماداً على المفاوضات السابقة، فمن يتنازل عن آلاف الكيلومترات في البحر والبر، سيتنازل عن 400 أو 500 كلم مربع على الحدود اللبنانية - الفلسطينية.
المقاومة ثروة لبنان المعنوية والردعية، وثروات لبنان الاقتصادية ضحايا الأطماع "الإسرائيلية" والضغوط الأمريكية وفشل وفساد المنظومة السياسية اللبنانية، وفي بعض المرات تبدو قوى المقاومة شريكة في هذه الخسارات والتنازلات وفي حصار نفسها، بحجة حماية المقاومة وسلاحها والذي تقوم أمريكا بلعبة خبيثة وخداع تتمثّل بإشغال المقاومة بالدفاع عن نفسها وسلاحها بالتلازم مع تمرير القرارات السياسية والاقتصادية والإدارية التي تخضع لبنان وتجعله داخل السجن الأمريكي، ويجعل المقاومة وأهلها مَكشوفي الظهر ومُحاصرين بين "سندان" القرارات السياسية الرسمية و"مطرقة" القصف "الإسرائيلي".
هل يعود مبعوث الغاز الأمريكي هوكشتاين صاحب "دبلوماسية الابتسامة" بديلاً عن براك صاحب "دبلوماسية الشتائم"، وأورتاغوس صاحبة "دبلوماسية مد اللسان" لتمرير اتفاقية السلام مع "إسرائيل" وفق نموذج "الويسكي بعبوة البيبسي"، بعد نجاحه بمهمته الأولى في مفاوضات الغاز وكاريش، ونجاحه وتألقه في مهمته الثانية "اتفاق تشرين"... ويحرز ثلاثيته الذهبية؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل