بين الانضباط الصيني والفوضى اللبنانية: متى يحاسب صُنّاع المحتوى المضلل؟

الثلاثاء 04 تشرين الثاني , 2025 06:32 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

في الوقت الذي تتجه فيه الصين إلى تشديد القوانين التي تنظّم عمل صناع المحتوى وتمنع غير المتخصصين من الخوض في مجالات حساسة كالمجال الطبي والمالي والتربوي، يعيش لبنان على الضفة الأخرى من المشهد الرقمي، حيث الفوضى صارت القاعدة، والمعلومة الكاذبة تُنشر أسرع من أي خبر موثوق.

الصين لم تتخذ قرارها عبثاً. فقد أدركت الدولة أن الفضاء الإلكتروني لم يعد مجرّد مساحة للتسلية أو التعبير الحر، بل صار مصدر تأثير مباشر على حياة الناس وصحتهم واستقرارهم المالي. لذلك، وضعت ضوابط صارمة تلزم صناع المحتوى بإثبات مؤهلاتهم العلمية قبل التحدث في قضايا تتطلب معرفة دقيقة، وألزمت المنصات الرقمية بمتابعة المحتوى ومحاسبة المخالفين.

أما في لبنان، فالمشهد مختلف تماماً. لا ضوابط ولا رقيب، سوى جمهور غاضب يتقاذف الاتهامات، وإعلاميون “رقميون” بلا مؤهلات يوزّعون الوصفات الطبية ويحلّلون الاقتصاد ويفتون في القانون والدين بلا سند أو مسؤولية. تحول “الترند” والـ"لايك" إلى معيار للحقيقة.

منصات التواصل الاجتماعي في لبنان أصبحت مرتعاً للفوضى الفكرية والمهنية. فبين من يبيع الأوهام على شكل “استشارات مالية”، ومن يقدّم نصائح طبية خطيرة باسم “الطب البديل”، ومن يروّج لأدوية مجهولة المصدر، غابت المعايير الأخلاقية والمهنية تماماً. الأخطر أن هذه الممارسات لم تعد مجرد “حالات فردية”، بل باتت منظومة قائمة على الربح السريع واستغلال ثقة الناس وحاجتهم.

إن ما تقوم به الصين اليوم هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ليس لأنها دولة متشددة، بل لأنها تدرك أن حرية التعبير لا تعني الفوضى، وأن حماية المجتمع لا تقل أهمية عن الانفتاح الرقمي. لبنان بحاجة إلى هذا الوعي، وإلى قوانين حديثة تحكم العمل الرقمي كما تحكم سائر المهن، لأن الكلمة صارت اليوم أكثر تأثيراً من أي سلاح.

لبنان لا يحتمل مزيداً من الفوضى. في زمن الانهيار، باتت الكلمة أخطر من الرصاصة، والمعلومة الكاذبة قادرة على إشعال فتنة أو تدمير سمعة أو تضليل جيل بأكمله.

إلى متى نبقى متفرجين على هذا الانفلات؟ ومتى يأتي دور لبنان ليفرض الحد الأدنى من المسؤولية الرقمية قبل أن نغرق جميعاً في مستنقع الجهل المنظّم؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل