خاص الثبات
في زمنٍ انقلبت فيه البوصلة، لم يعُد الدفاع عن العملاء مجرّد خيانةٍ عابرة، بل تحوّل إلى وظيفةٍ رسمية، لها راتبٌ شهريٌّ ووسمٌ متلألئ على «إكس» و«التيك توك» وغيرهما.
المُتصدّرون اليوم للحديث عن "العقلانية" و"السلام" و"الواقعية الجديدة" في غزة ولبنان، ليسوا سوى طبقةٍ جديدة من الكُتّاب والمُحلّلين صُنعت في مختبرات واشنطن ومولت من الرياض وأبوظبي، حيث يُقطّر الموقف السياسي كما يُقطّر العطر، ويُضاف إليه شيءٌ من النعومة الإعلامية لتغطية الرائحة الحقيقية.
ليس مطلوبًا من الأداة أن تُفكّر، بل أن تُبرّر. أن يُصبح الدفاع عن عميلٍ لتل أبيب واجبًا مهنيًا، وأن تُمنح صكوك الغفران الإعلامي لكل من تلوّثت يداه بالتنسيق، طالما أن التمويل يتدفّق.
هؤلاء لا يتحدّثون بلسانهم، بل بلسان مَن يكتب لهم في غرف التكييف السياسي، حيث تُصاغ الكلمات كما تُصاغ البيانات العسكرية: بلا حرارة، بلا شرف.
إنهم "سفراء التبرير"، جيلٌ من المُبرمَجين لغويًا على تلميع الخيانة وتحويلها إلى وجهة نظر. وحين يُحاصرهم السؤال، يتلطّون خلف مفرداتٍ مطّاطة من قبيل "البراغماتية" و"التحالفات الإقليمية" و"مصالح الدولة العليا"… كأنّ الخيانة صارت حيلة لغوية لا جريمة سياسية.
الشرط الأول ليُمنح أحدهم بطاقة العضوية في هذا النادي الأميركي الصهيوني الخليجي، هو أن يقبل بالدفاع عن العميل، أيًّا كان اسمه أو تاريخه. لا فرق بين مَن سرّب معلومةً للعدوّ ومن صافحه علنًا — فالمعيار الوحيد هو الولاء لمصدر التمويل، لا لمصدر القضية.
الشرط الثاني: أن يُتقن قلب المعنى، فيجعل من المُقاوم متهوّرًا، ومن العميل "صوتَ العقل".
أما الشرط الثالث، والأكثر إذلالًا: أن يُقنع نفسه بأنّه يفعل ذلك من أجل "الاستقرار الإقليمي"، ليغسل عارَه بماءٍ مُعطّر من خزائن النفط.
هؤلاء لا يعيشون بيننا، بل فوقنا، في سحابةٍ من الترف الإعلامي حيث تُصبح الكلمة سلاحًا للتعويم، لا للتحرير.
هم حُرّاس التطبيع الجُدد، يرفعون الشعارات نفسها التي رفعها المحتلّ يوم قال: "نحن نبحث عن السلام".
لكنّهم ينسون أن السلام لا يُبنى على رماد الكرامة، وأنّ من يدافع عن العميل، يصبح هو ذاته جزءًا من شبكة العمالة — مهما زيّن كلامه بالوطنية المُعلّبة.
عائلة الحريري تلعب بزهرة المارغريت: نخوض الانتخابات...لا نخوضها ــ أمين أبوراشد
أيها العرب: لا تقتلونا... فنحن آخر المقاومين ــ د. نسيب حطيط
حرب "الصبر" المقاوم... المكاسب والخسائر ــ د. نسيب حطيط