حرب تبسيط الشرور على أنقاض الحرية ومفاوضات "الازدهار" الموعود ــ يونس عودة

الثلاثاء 04 تشرين الثاني , 2025 10:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ليس من الواضح ابدا , تبلور اية رؤى , او نظم , اكانت اقليمية او عالمية لحل الصراعات الدولية , وهي الصراعات التي تشتد ضراوة حينا ,وحينا اخر انخفاضا ,بحسب المعطيات التي تفرزها المعادلات الوضعية .
وفي موازاة ذلك, فان محاولات اميركية – يمكن وصفها ب"التراميية" تعمل على مراكمة تصورات وافكار لإحلالها على أنقاض الشعارات السابقة لمنظومة "القيم" في الحرية والديمقراطية , بعد انكشاف زيف هذه الاخيرة امام العالم وفقدت صلاحية استخدامها في اغراء الشعوب ومحاكاة مشاعر الطامحين للصعود في مركب الغرب الثقافي, سيما ان الغرب بنفسه وعبر الكثير من النخب لم تتردد في الافصاح ان شعارات الحرب الباردة وما بعد لم تكن الا عدة الشغل البراقة , وها ان الزمن قد عفا عليها , وهي في طريق الدفن الى غير رجعة .
لقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تكرارا ان جوهرة فكرة السلام لديه تقوم على "سلام القوة ", اي بمعنى اخر من يملك القوة يفرض السلام الذي يريد بالإخضاع ,وهذا يعني ببساطة ان لاحق ولا عدل ولا حتى زرع له صلة بالإنسانية , وفي الحقيقة ان مثل هذه الافكار, وجدت لها انصارا مع تنامي الوحشية والعنصرية في بقاع واسعة من الارض التي تعيش عليها البشرية، خصوصاً في منطقتنا التي لم تهدأ فيها الصراعات منذ فجر التاريخ .
اما عدة الشغل وفريقها فهم أكثر وقاحة وصلافة وكلها تدل على اشتقاق مفاهيم عنصرية في إطار عملية اعادة ترتيب الوعي الاجتماعي العام في بوتقة تبسط القتل والاجرام وكل الشرور المنتجة في الغرب خصوصاً في الولايات المتحدة "الترامبية ".
مثال على ذلك, يقول نائب الرئيس الاميركي جيه دي فانس علنا : من المقبول تماماً ألا يرغب الأمريكيون في العيش بجوار أشخاص يتحدثون لغة مختلفة أو يأتون من ثقافة مختلفة تماماً، و"من المقبول تماماً أن ينظر المواطنون الأمريكيون إلى جيرانهم ويقولوا: أريد أن أعيش بجوار أشخاص يجمعني بهم شيء ما". 
هو الشعار نفسه المراد تعميمه "ما بيشبهونا" ,وهذا يعني اما ان تخضع واما مصيرك القتل والتشريد الى اللامكان .
في عملية الاخضاع بالإغراء المسموم يتلخص بالكلمة "السحرية" للذين يدركون الابعاد لحقيقة المشروع, وهي " الازدهار" او الذهاب الى الحصار , ولكن حتى الازدهار الموعود غير مقرون باي ضمانة ولو حصل الاتفاق تماما كالاتفاقات السياسية والميدانية والامنية , والا تصبح دولة "فاشلة" بالتصنيف الاميركي .
هنا بالضبط ما عناه الموفد الاميركي توم براك الذي سرد مجموعة من الشروط لم يقدم لبنان على تنفيذها تلقائيا لأسباب عدة بينها الحفاظ ما أمكن على النسيج والوطني والتمسك الى حدود معينة بالذاكرة الوطنية الجامعة المراد مسحها , عبر صفقة مذلة.
من المؤسف ان يرى بعض اللبنانيين ان تصنيف براك واقع عملي , بينما سلفه آموس هوكشتين يرى ان لبنان ليس بحاجة الى تصنيفات , وانما المساعدة للوصول الى السلام والازدهار الموعودين .
بلا شك ان الضغوط المتزايدة على لبنان للإخضاع الكلي , تحتاج الى سلطة خانعة تمكن " الدولة الفاشلة " على المحاباة باتجاه الدولة التي يردد صاحبها انها العظيمة في كل شيء لامتلاكها الادوات والاسلحة الاكثر اجراما وعنصرية في التاريخ .
دوما في إطار التهديد الاميركي المتناغم مع العدوان الصهيوني على المنطقة , جملة مفتاحية وكأنها ختامية , "لديكم فرصة اخيرة عليكم الاستفادة منها,, والا " , ما يعني ان الولايات المتحدة تقدم فرصة الحل , والاخيرة , والذي يريد ان يناقش او حتى يسأل يكون هو من ضيع الفرصة, مع تجاهل الاسباب الحقيقية والعميقة للمعضلة وللصراع حتى لو ادى ذلك الى تضييع وطن.
ليس من شك ان من لا يملك وسائل الاقناع سواء بالترغيب او الرهيب هو من يلجأ الى التصعيد ورفع مستوى الضغوط مركونا على قوة غاشمة مع استخدام التبسيط للعدوان وما يقوم  به المعتدي , وكأنه حق ,تماما مثلما ترفع حكومة العدو شعار حقها في قتل اي شخص او مجموعة تشك في انها يمكن ان تهدد امن اسرائيل , حتى ولو دون اي مسوغ , تماما كما حصل مع عامل بلدية بليدا الشهيد  سلامة .رغم ان القوة هي قوة احتلال وتجاوزت الحدود ونفذت عدوانا واضحا فاضحا, لم يشك حتى الاميركيون بعدوانية الجريمة ,لكنهم بقوا في دائرة شهود زور, تماهيا مع  سردية تبسيط الجريمة والشر , لإيقاع الناس في فخها مع حقن داخلي لتعميم الكراهية بالتبسيط , لتثبيت مفاهيم كريهة في الوعي العام لخلق مزيد من الشروخ .
هناك شبه اجماع داخلي بان ما يجري في اطار الحرب النفسية المتمادية , لدفع لبنان الى مفاوضات مع الاحتلال وان تقاطر الموفدين الى لبنان من الاميركيين والاوروبيين والعرب ولا سيما رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد يندرج في هذا السياق متزامنا مع رفع مستويات العدوان .ومن دون طرح افكار خلاقة توقف العدوان اولا , وهو البند الاول في الاتفاق الذي مضى عليه قرابة السنة , ولم توقف اسرائيل القتل والتدمير والارهاب , وبالتالي فان السؤال الذي يطرح نفسه , ما هو المراد من التفاوض؟
لقد أعلن رئيس الجمهورية جوزاف عون تكرارا ,استعداد لبنان للتفاوض , وطرح الامر بكثير من الواقعية والموضوعية "والحيادية قائلا :عندما لا تؤدي بنا الحرب إلى أي نتيجة، ما العمل؟.. فنهاية كل حرب في مختلف دول العالم كانت التفاوض ,والتفاوض لا يكون مع صديق أو حليف بل مع عدو.
ان التشخيص لا غبار عليه , ولكن عندما يذهب اي طرف الى المفاوضات , او يريد المفاوضات , يكون لديه اسس في المنطلقات والاهداف , فما هو المنطلق , او الهدف , ولدينا اتفاق جرى التفاوض عليه , ولا يوجد اي طرف لبناني يريد شن حرب , بما فيها المقاومة التي أعلن امين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم باسمها علنية ,ان المقاومة ليست في صدد القيام باي حرب , وهي في حال الدفاع .كما ان لن تتقوم المقاومة في اي بلد باي عمل .
كل ما في الامر, ان الهدف الاميركي من جراء ضغوطه على لبنان هو غرس كلمات تبسيطية في الذهن العام كلما استجيب له خارج الاتفاق الذي يفترض انه ينهي الحرب , ولذلك فان الاستجابة لطرح المفاوضات , وان لا خيار اخر بديلا , أطلق العنان للموفد المتصهين توم براك والقى مفاجأته بان : "فليتصل الرئيس اللبناني جوزاف عون برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويتفقان على التخلص من كل الرواسب"، لأن التواصل المباشر باعتبارات براك , يبقى أفضل، خصوصاً في ظل المفاوضات المباشرة بين سورية وإسرائيل.
ان الرواسب ليست كلمات , ولا تزال باتصال بين عدوين ,بينهما تسرح وتمرح طائرات الشبح وكل انواع الطائرات الاميركية الصنع , والمحملة بذخائر اميركية شهد العالم كله مدى اجرامها , ولذلك فان الرواسب تبدا بوقف الاجرام المتمادي , اي وقف الحرب المستمرة بضوء خضر اميركي , و بزوال الاحتلال عن الارض المحتلة وهذان الامران يمكن لإدارة براك بزعامة ترامب ان تنهيهما باتصال هاتفي من ترامب الى نتنياهو , ومن ثم توضع معايير للمفاوضات وبغير ذلك لا يمكن للتناقضات العميقة التي سماها براك "رواسب" ان تشهد ولو قليلا من الضمور سيما في عدم وجود آليات مراقبة موضوعية. في اي صفقة يكون لأميركا أصبعاً فيها وهذا امر اضافي يؤكد ان التناقضات بين الأطراف ستبقى.
ليس بتبسيط الشر تعالج المعضلات , ولا بالاستقواء بالقتل والتدمير يهرب الحق او ينزوي ولو كانت الامواج عاتية , ولا بفيروسات الازدهار الموعود والفرصة الاخيرة تثبط العزائم مع حملات نشر العنصرية واستلهام الصهيونية التي باتت نخب اميركية تجاهر باحتقارها واحتقار معتنقيها ولاسيما الصهيونية المسيحية \تمثل تيارا مؤثرا في المشهد السياسي والديني الأمريكي، وتشكل داعما رئيسيا للعلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
 ربما جازف الاعلامي الاميركي الشهير تاكر كارلسون بإعلانه صراحة أنه "يحتقر الصهاينة المسيحيين أكثر من أي فئة أخرى على وجه الأرض"، ووصف الصهيونية المسيحية بأنها "بدعة وهرطقة خطيرة داخل المسيحية".
أن "الصهيونية المسيحية فيروس دماغي أصاب الكنيسة".
هذه المجازفة لب الحقيقة ببساطة, ومن الضرورة بمكان الدخول في عمق الحقيقة حتى لا يقع أحد في فخ تبسيط الشرور .


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل