أقلام الثبات
بفضل الدعم الأمريكي والعربي والتركي، تمكنت "إسرائيل" من تحقيق إنجازات استراتيجية عسكرية وجغرافية وردع عسكري لم تشهده طوال 70 عامًا من الصراع العربي - "الإسرائيلي"، كما حقّقت مكاسب سياسية كبرى عبر التطبيع و"السلام" مع عدد من الدول العربية وبعض الدول الإسلامية ضمن تحالف شامل بقيادة أمريكا، حيث سيكون دور العرب فيه أدوات وليس شركاء.
بالتوازي مع الأرباح والمكتسبات "الإسرائيلية" الاستراتيجية، خسر محور المقاومة ساحات رئيسية كبرى مثل سوريا، وتلقى ضربات موجعة في غزة ولبنان وإيران، تمكنت "إسرائيل" خلالها من تدمير ما بنته حركات المقاومة على مدى عقدين أو أكثر، وكان للمقاومة اللبنانية النصيب الأكبر، لكونها نقطة ارتكاز المحور المقاوم، ووصفها رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو بأنها "محور المحور"، كما خسرت المقاومة اللبنانية قرابة 20% من كوادرها البشرية بين شهيد وجريح، وأكثر من 60% من مخزونها الصاروخي وقواعدها العسكرية في جنوب لبنان، بالإضافة إلى أغلب قياداتها الميدانية المركزية والوسطى، وعلى رأسهم "السيد الشهيد"، كما خسرت كنزها الأهم وهو "سرية" عملها ومنظومتها، حيث تبين أنها كانت مكشوفة للعدو، سواء بالاختراق عبر تقنيات التجسس المتطورة، أو غير ذلك.
رغم كل هذه الانتصارات والمكاسب الاستراتيجية للتحالف الأمريكي - "الإسرائيلي" وما يقابلها من خسارة استراتيجية لمحور المقاومة، فإن المشهد النهائي للحرب لم يكتمل رسمه بعد، فنحن ما زلنا في قلب المعركة والميدان، ولا يمكن إعلان الانتصار النهائي للعدو والهزيمة النهائية للمقاومين، لأن الأهداف الاستراتيجية للتحالف الأمريكي - "الإسرائيلي" - العربي لم تتحقق بالكامل بعد، وأبرزها اجتثاث المشروع المقاوم والقضاء على حركات المقاومة نهائيًا، فجميع اتفاقيات التطبيع و"السلام" لن تستقر، ولن تستطيع أمريكا و"إسرائيل" استثمارها اقتصاديًا وثقافيًا ودينيًا إلا بعد القضاء على المقاومة وحركاتها، خصوصاً المقاومة في لبنان.
على صعيد آخر، فإن المجتمع "الإسرائيلي" الداخلي يدفع ثمن التوسّع والإنجازات الخارجية، حيث يتآكل داخليًا على المستويات العسكرية والاقتصادية والمجتمعية، "فإسرائيل" تعيش حالة حرب مستمرة منذ أكثر من عامين، لأول مرة في تاريخها، وهو وضع لم يكن مدرجًا ضمن خططها الاستراتيجية التي اعتادت على حروب قصيرة مثل حرب الأيام الستة (حزيران 1967).
وحرب تشرين التي تلتها حرب استنزاف على الجبهة المصرية، أو حروب لبنان القصيرة والطويلة، لتكشف عن تآكل المنظومة السياسية في "إسرائيل"، حيث أصبحت الحرب وسيلة للدفاع عن المتهم نتنياهو للتهرب من المحاكمة، وربما الإدانة، حتى اضطر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى طلب العفو عنه رسميًا أمام الكنيست، والإعلان عن الوقوف إلى جانب نتنياهو، وربما أصبحت الحرب غطاءً للاضطرابات النفسية والانتحار المتزايد في صفوف الجيش "الإسرائيلي"، على الرغم من أن حرب السنتين التي دخلت عامها الثالث على الجبهة اللبنانية، حقّقت "لإسرائيل" مكاسب عسكرية مباشرة، إلا أنها تخفي خسائر داخلية قد لا تظهر نتائجها سريعًا، لكنها زرعت بذور القلق والخوف على المصير في "المجتمع الإسرائيلي"، وحطمت صورة الكيان الآمن أو الدولة المسيطرة، وسيتسع نطاق هذا التآكل نتيجة توسع الجغرافيا التي تحتلها "إسرائيل"، ونقص أعداد جيشها، خصوصاً بعد أن يستوعب محور المقاومة والقوى الوطنية، في سوريا تحديدًا، ويبدأ الهجوم المضاد الذي سيسلب "إسرائيل" وأمريكا حلاوة المكاسب والانتصارات المرحلية، ولهذا السبب تضغط "إسرائيل" لنزع سلاح المقاومة؛ لتأمين أمنها الذي تعجز عن تحقيقه لوجستيًا وميدانيًا.
إن الإيحاء والخداع بأن الحرب قد انتهت وحُسمت لصالح التحالف الأمريكي - "الإسرائيلي"، والتصديق بهذه المقولة الخاطئة، أخطر مما فعلته "إسرائيل" بالقصف أثناء الحرب، لأنها تساهم في قتل المعنويات، وتزيد من فعالية جرعات الاستسلام واليأس والإحباط لدى المقاومين، مما يدفعهم للخوف والتخلي عن سلاحهم دون مقابل، ويسهل ولادة "إسرائيل الكبرى" و"الشرق الأوسط الأمريكي الجديد".
لا يمكن تحديد مصير الأمم بأشهر من المعارك، أو بانتصارات مؤقتة، أو نتيجة خسارة مرحلية أو هزائم موضعية، فقد يحتاج الأمر إلى عشرات السنين وأكثر من جيل حتى يتم حسم الحرب نهائيًا.
لا تزال الآفاق غير سوداوية، والوقت ليس في صالح التحالف الأمريكي - "الإسرائيلي"، ويمكن لحركات المقاومة أن تستعيد بنيتها وعافيتها، وتراجع أخطاءها وثغراتها، وتعدل خططها ومهامها لمواجهة الحرب المستمرة عليها ويمكنها تعديل النتائج، فلم يفت الأوان بعد، فأعداد الشهداء أو البيوت المدمرة ليست دليلاً على انتصار العدو أو هزيمة المقاومة.
"إسرائيل" لم تنتصر... ونحن لم نُهزم... فلا مبرّر للاستسلام وتسليم السلاح.
"إسرائيل" تتوسّع خارجيًا... وتتآكل من الداخل ــ د. نسيب حطيط
الإثنين 03 تشرين الثاني , 2025 10:57 توقيت بيروت
أقلام الثبات
إلى "المجنس" توم براك: من باع انتماءه لا يملك حق تقييم الأوطان ـ محمد دياب
لبنان بين ثلاث وساطات.. هل تستعيد مصر دورها؟ ــ د. ليلى نقولا
كارثة كهربائية تضرب السوريين... رفع الدعم عن القطاع الخدمي برمته _ حسان الحسن