إذ نادى... فاستجاب الرحمن

الإثنين 27 تشرين الأول , 2025 12:39 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات-إسلاميات

  قال تعالى: ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾

﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾

﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾

 في كل نداءٍ من هذه النداءات عبقُ تضرّعٍ، ونفَسُ صبرٍ، ووهجُ يقينٍ لا يخبو

  النداء هنا ليس مجرد لفظٍ يُقال، بل انكسارٌ يفتح أبواب السماء، ودمعةٌ صادقة تذيب ما تراكم من كدر الأيام

  نادى سيدنا نوحٌ عليه السلام بعد قرونٍ من الدعوة والتعب، نادى ربَّه حين أظلمت الأرض بالكفر والجبروت، وقال: ﴿إني مغلوبٌ فانتصر﴾، فاستجاب الله له استجابةً تهزّ الوجدان: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ﴾ كانت استغاثته نداء المستسلم لله، لا اليائس من الناس

ونادى سيدنا أيوبُ عليه السلام وقد أنهكه البلاء، واشتدّ عليه الضرّ، لكنه لم يشتكِ لأحدٍ من خلق الله، بل رفع قلبه إلى مولاه قائلاً في أدبٍ العارفين: ﴿أني مسّني الضر وأنت أرحم الراحمين﴾

 لم يطلب كشف الضر تصريحًا، بل اكتفى بذكر حاله بين يدي ربه، فكان الجواب رحمةً وشفاء: ﴿فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرّ وآتيناه أهله ومثلهم معهم﴾

 ثم نادى سيدنا زكريا عليه السلام وقد شاب الرأس ووهن العظم، يطلب من ربه ولدًا يرث دعوته ويحمل نوره، فقال بخشوعٍ وثقة: ﴿ربّ لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين﴾

فجاءه النداء والبشارة من الله تعالى: ﴿يا زكريا إنا نبشّرك بغلامٍ اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميًّا﴾ 

ما أروعها نداءاتٍ تُعلّمنا أن الضعف بين يدي الله قوّة، وأن البكاء في سجدةٍ صادقةٍ أبلغ من الصيحات كلها قال النبي ﷺ: ((الدعاء هو العبادة)) رواه الترمذي

وفي حديثٍ آخر قال ﷺ: ((إن ربكم حيٌّ كريم، يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين)) رواه أبو داود

 إن الدعاء ليس ترديد ألفاظٍ محفوظة، بل هو عبورٌ من ضيق الأرض إلى سعة السماء، وهو لحظةُ صدقٍ يرى الله فيها عبده منكسرًا، فيُبدله قوة، ويراه باكيًا، فيُبدله رضا

 وحين يتأمل المؤمن هذه النداءات الثلاث، يعلم أن لكل بلاءٍ نداء، ولكل نداءٍ استجابة، ما دام القلب موقنًا بوعد الله  فما قال ربنا “فناداه” إلا وأتبعها بـ “فاستجبنا له”

 قال رسول الله ﷺ: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ)) رواه الترمذي

 فيا من ضاقت عليك السبل، لا تلتفت إلا إليه، وناجِه كما ناجاه أنبياؤه، واثبت على باب رحمته فإن الله لا يخذل من ناداه، ولا يرد من قال بإخلاص: يا رب  

ناجِ ربك، فنجاتك في مناجاتك

وادعه سرًّا وعلانية، فالدعاء بابٌ لا يُغلق ومن علّق قلبه بالرحمن، كتب الله له: ﴿فاستجبنا له﴾


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل