ولا تَمشِ في الأرضِ مَرَحاً

الثلاثاء 21 تشرين الأول , 2025 12:46 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات-إسلاميات

  قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾

 في هذه الآية العظيمة يرسم القرآن حدود الإنسان أمام  الكون، ويهدم أوهام الكِبر التي تتسلل إلى النفوس حين تنخدع بزينة الدنيا

فـ"المشي في الأرض مرحاً" ليس المقصود به مجرد الخطوات الواثقة، بل هو مشي المتكبر المعجب بنفسه، الذي يملأ الأرض صخباً وغروراً، ويظن أنه أعظم من سواه، ناسياً أن أول خُطوة له كانت ضعيفة، وأن آخرها إلى قبرٍ ضيّق

جاء هذا النهي في سياق وصايا لقمان الحكيم لابنه في القرآن حيث قال: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾

  إنها تربية إلهية تُهذّب السلوك الظاهر لتزكّي الباطن، فالكِبر في القلب يظهر في المشي والنظر والكلام، ولذلك كان التواضع سلوكاً إيمانيًّا لا مجرّد خُلقٍ اجتماعي

  قال ﷺ: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، فقال ﷺ: ((إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَرُ الحقِّ وغَمْطُ الناس))

 مشية المؤمن متزنة، يعرف قدر نفسه، فلا يزهو بما أوتي، ولا يَخضع ذلاً لغير الله قال تعالى مادحاً عباد الرحمن: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾

فـ"هونًا" أي بسكينةٍ ووقار، كأن الأرض تعرفهم فيلينُ لهم دربها، لأنهم لا يطأونها استعلاءً بل خضوعاً وشكراً لمن خلقها

قيمة الإنسان ليست في خطواته، بل في قلبه ما أعمق قول الله: ﴿إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾، كأن الآية تقول: أيها الإنسان، تذكّر حجمك الحقيقي لن تبلغ الجبال، ولن تتجاوز حدودك، فأنّى لك أن تتكبر على من خلقك من تراب؟

الكِبر في حقيقته غفلة، والتواضع وعيٌ بالمصدر والمصير: من تراب خُلقنا، وإلى تراب نعود، وبينهما نسير على هذه الأرض لا مالكيها بل عابريها

 "ولا تمش في الأرض مرحاً"... وصية خالدة تربّي فينا جمال التواضع وحياء العبودية لله فالتواضع لا يُنقص من قدر الإنسان، بل يرفعه، والكِبر لا يزيده إلا سقوطاً 

من تواضع لله رفعه، ومن تعاظم في الأرض قصمه الله فلتكن خطواتنا على الأرض خفيفة، قلوبنا معلّقة بالسماء، ولتكن هيئتنا مرآةً لروح تعرف من أين جاءت، وإلى من تسير.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل