الثبات-إسلاميات
قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾
وقال ﷺ: ((الكلمة الطيبة صدقة))
في زمنٍ يزدحم بالضجيج، تبقى الكلمة الطيبة نسمةً تُعيد التوازن إلى الأرواح وليس ثمة مكانٌ يحتاج إلى رفق الكلمة مثل البيت؛ ذلك الموطن الصغير الذي تُزرع فيه المودّة، وتُختبر فيه الأخلاق، وتُترجم فيه العقيدة إلى سلوكٍ يوميٍّ بسيط
اللين ليس زينةً في الكلام، بل هو فنّ التعامل مع القلوب إنّها اللغة التي يتحدّث بها القلب قبل اللسان، فيشعر بها الطرف الآخر قبل أن يسمعها ولهذا جعل الله الرفقَ شِعار الأنبياء، فقال سبحانه لموسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى الطاغية فرعون: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾
فإذا كان اللين مأمورًا به مع طاغيةٍ متجبر، فكيف لا يكون أولى مع من نشاركهم دفء الحياة ومأوى القلب؟
الكلمة الطيبة جسر المودّة
الكلمة اللينة تُبني بها قصور المودّة في القلوب، كما تُشيَّد البيوت بالحجارة فكم من كلمةٍ طيبةٍ أطفأت غضبًا، وكم من ابتسامةٍ صادقةٍ أنقذت علاقةً كانت على شفا انهيار قال النبي ﷺ: ((ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه، وما نُزع من شيءٍ إلا شانه))إنّ الرفق يُجمّل الموقف مهما كان صعبًا، ويُعطي للمشكلات حجمها الحقيقي، فلا تتضخّم ولا تستفحل ولقد كان رسول الله ﷺ سيّد اللين في بيته، لا يرفع صوته على أهله، ولا يعنّف، بل يُمازح ويبتسم ويُصغي
تروي السيدة عائشة رضي الله عنها: "ما ضرب رسول الله ﷺ شيئًا قط بيده، لا امرأةً ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله."
تأمّل هذا الخلق العظيم؛ نبيّ الأمة، وأعظم رجالها، لم يجعل القسوة سلاحًا في بيته، بل جعل الرحمة لغته، والرفق طريقه، والصبر زاده
حين يخطئ الحب في طريق التعبير قد يُحب الرجل زوجته، لكنه يجرحها بعبارةٍ قاسيةٍ لا يقصدها، وقد تُحب المرأة زوجها، لكنها تُطفئ قلبه بكلمةِ لومٍ متكرّرة فالمشكلة ليست في الحب، بل في الأسلوب الذي يُعبّر عنه ولذلك قال الحكماء: "إنّ الكلمات كالسكاكين، بعضها يُجرّح، وبعضها يفتح طريق النور."
والبيت المسلم لا يقوم على الكمال، بل على اللين الذي يُرمّم ما يكسر، ويُطفئ ما يشتعل فالغلظة في القول تُفسد المودّة ولو كانت صادقة، كما يفسد الملح الزائد الطعام الطيّب البيوت التي تحفّها الملائكة قالﷺ: ((إنّ الله رفيقٌ يحبّ الرفق في الأمر كلّه))
والملائكة لا تسكن البيوت التي يعلو فيها الصراخ والخصام، بل تحفّ بيوت الرفق والسكينة حين يعلو الصوت في البيت، تفرّ السكينة وحين يسود اللين، يعود الأمان والدفء
إنّ كلمةً حانيةً بعد شجارٍ، أو نظرةَ عطفٍ في لحظةِ صمتٍ، تُعيد ترتيب القلوب كما يُعيد المطرُ للحقل خُضرته بعد جفاف فلا تجعل بيتك ميدان خصومةٍ، بل اجعله روضًا للكلمة الطيبة، ومرفأً للّين والعفو
دروس من بيت النبوّة
في بيت النبي ﷺ دروسٌ لا تُنسى: حين كانت السيدة عائشةُ رضي الله عنها تغار، أو تُظهر شيئًا من الحِدّة، كان ﷺ يبتسم ويقول برقةٍ تذيب الغضب: ((غارت أمُّكم)) كلمةٌ بسيطة، لكنها كفيلة بأن تُبدّد الغضب وتزرع الطمأنينة
وحين كسرت إناء الطعام غيرةً، لم يغضب ﷺ، بل قال لأصحابه: ((غارت أمُّكم)) ثم جمع الإناء المكسور بيده، وبدّل مكانه بإناءٍ آخر هذا هو اللين الذي يخلق السعادة: حلمٌ عند الغضب، وابتسامةٌ عند الخطأ، وتجاوزٌ يُعيد الاحترام قبل أن يُعيد النظام.