الثبات-إسلاميات
قال تعالى: ﴿مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾
تأتي هذه الآية بعد قوله تعالى: ﴿وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ لتكشف أن أصلَ هذا الانحراف هو القول بلا علم، وأن الجهل بالعقيدة هو الباب الأعظم الذي يدخل منه الشرك والضلال
أولاً: الجهل أصل كل باطلق قال الله تعالى في موضع آخر مؤكّدًا هذا المعنى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ فهم لم يُعرضوا عن الحق لضعف حجّته، ولكن لقصور علمهم وعُتوّ قلوبهم
ويقول سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ... وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ فجعل القول على الله بغير علم في ختام المحرّمات الكبرى، بعد الشرك والفواحش، لما فيه من تجرّؤ على مقام الألوهية ولهذا قال النبي ﷺ: ((من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار))
ثانياً: تقليد الآباء ليس عذراً ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ لم يكن الجهل وحده سبب ضلالهم، بل الغفلة الموروثة والتقليد الأعمى فالحق لا يُعرف بالآباء، وإنما يُعرف بالوحي والعقل السليم
وقد قال الإمام علي رضي الله عنه: “إنما يُعرف الرجال بالحق، ولا يُعرف الحق بالرجال.”
ثالثاً: الكلمة مسؤولية عظيمة حين قال الله: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾ دلّ على أن الكلمة الواحدة قد تكون أعظم من عملٍ طويل، لأن القول يعبّر عن العقيدة، والعقيدة أساس النجاة أو الهلاك
وقد قال رسول الله ﷺ: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرى بها بأسًا، يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب))
وفي المقابل، قال ﷺ: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه))
فما بالك بكلمة تُنسب إلى الله زورًا؟!
رابعاً: خطر القول على الله بلا علم
قال تعالى: ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔایَـٰتِهِۦۤۚ إِنَّهُۥ لَا یُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾
وقال أيضًا: ﴿قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّیَ ٱلۡفَوَٰحِشَ... وَأَن تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾
فالافتراء على الله ليس مجرد خطأٍ فكريّ، بل ظلمٌ عظيم يفسد الفطرة، ويستحقّ الوعيد الإلهي
خامساً: قيمة العلم في ميزان الإيمان
في مقابل الجهل والافتراء، رفع الله أهل العلم فقال: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ وقال ﷺ: ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة)) فالعلم هو الحصن من الضلال، والنور الذي يكشف زيف الكلمة الباطلة
خلاصة المعنى:
هذه الآية العظيمة تضع الكلمة في ميزان العقيدة؛ فليست الألفاظ مجرد هواء يخرج من الفم، بل هي قناعات تترجم ما في القلب فمن قال على الله بغير علم فقد ظلم نفسه، وأفسد فطرته، ونطق بما تكاد السماوات يتفطرن منه