ترامب أنقذ "إسرائيل" ولم ينقذ غزة _ د. نسيب حطيط

الأربعاء 15 تشرين الأول , 2025 02:21 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
أنهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب "غزوة الانتصار" التي قام بها إلى الكنيست "الإسرائيلي" وشرم الشيخ معلنًا إنهاء الحرب في غزة وبدء السلام في الشرق الأوسط بلمسة سحرية أنهت 70 عامًا من الصراع، بعدما عجز كل العالم عن إنهاء القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسلامي مع "إسرائيل"، ولم يبق إلا قلة مقاومة ترفض التطبيع والسلام، وسيتم العمل لنزع سلاحها والقضاء عليها بمساعدة أنظمتها وحكوماتها في لبنان والعراق واليمن، وقطع رأس الأفعى المقاومة في إيران؛ كما صرّح مبعوث ترامب.
لا جدال بترحيبنا بكل عمل يخفف الإبادة الجماعية في غزة أو في لبنان أو في اليمن، وكل ما يساعد أهلنا على تأمين أمنهم ومعيشتهم، شرط عدم الوقوع في فخ الخديعة والتضليل ونسيان ما حدث من قتل وتدمير وجرائم ضد الإنسانية في غزة ولبنان، وعدم التصديق بأن ترامب أنقذ غزة وضغط على "إسرائيل" وكبح جماحها، فالمشهد مغايرٌ تمامًا، فالثابت تاريخيًا أن أمريكا لا يمكن أن تقوم بعمل يصيب "إسرائيل" بالضرر والخسارة ويؤمن مصلحة أعدائها، بل تبيع كل العالم وتسخّر كل إمكانياتها وعلاقاتها من أجل حماية الكيان "الإسرائيلي"... والسؤال: هل أنقذ ترامب "إسرائيل" أم غزة؟
لقد بادر ترامب لإنقاذ "إسرائيل" على حساب غزة والقضية الفلسطينية، بعد سنتين من القتال واستنزاف المجتمع والجيش "الإسرائيلي" وبعد نفاد الأهداف في غزة ،حيث لم يبق إلا القليل من المباني لتدميرها وبعد إصابة 250 ألف شهيد وجريح وصلت "إسرائيل" إلى طريق مسدود، لا أفق له ولا يمكن تحقيق نتائج ميدانية وسياسية أكثر للأسباب التالية:
- انحسار الأهداف "الإسرائيلية" بتدمير ما تم تدميره وقتل من تبقى حيا من المدنيين.
- استنزاف الجيش "الإسرائيلي" الذي يقاتل منذ سنتين وفي بعض المراحل قاتل على جبهتي لبنان وغزة.
- استنزاف الاقتصاد والأمن الداخلي "الإسرائيلي" بعد تدخل أنصار الله في اليمن والحصار البحري الذي فرضوه على البحر الأحمر وإغلاق مرفأ إيلات.
- توسع التحركات العالمية المضادة التي أجهضها وقلل من فعاليتها تحالف الحكومات العربية والإسلامية مع "إسرائيل" وصمت الشعوب العربية والإسلامية والخدمات التي قدمتها الجماعات التكفيرية بإسقاط النظام في سوريا وتهديدها لحركات المقاومة في لبنان والعراق.
- تحرير الأسرى "الإسرائيليين" أو ما تبقى منهم حيًا بعد سنتين من الانتظار وانسداد الأفق في تحريرهم وتناقص أعدادهم كلما طالت الحرب وإنقاذ الحكومة "الإسرائيلية" من الضغط الداخلي لأهل الأسرى ومن الضغط المعنوي بسبب بقاء الأسرى والعجز عن تحريرهم.
- إعطاء جرعات انتصار وحماية لتمديد رئاسة نتنياهو للحكومة "الإسرائيلية" لتثبيت المكتسبات الاستراتيجية التي حققتها أمريكا و"إسرائيل" منذ طوفان الأقصى ولإكمال ما تبقى من المشروع الأمريكي للقضاء على المقاومة في لبنان وإسقاط إيران، إما بحراك داخلي مدعوم من الخارج واما بحرب جديدة، لتسهيل إسقاط النظام بالتعاون ما بين الداخل والخارج.
لقد استطاع ترامب مساعدة إسرائيل لحل او تخفيف كل هذه المشاكل التي ستتزايد ان استمرت بالحرب الواسعة... فما هي أرباح غزة؟
ربحت غزة وقف الحرب المكثفة "مؤقتًا" واسترداد بعض الأسرى، لكن عدد الأسرى تزايد بعد طوفان الأقصى بسبب الاعتقالات "الإسرائيلية" داخل غزة والضفة الغربية وبقي رصيد الأسرى الفلسطينيين أكثر من عددهم عند بدء الطوفان الأقصى دون ضمانات أن لا تعيد "إسرائيل" اعتقالهم أو اعتقال غيرهم مادامت الضفة الغربية أرضٌ مستباحة للجيش "الإسرائيلي".
لن تنتهي الحرب والحصار على غزة ويمكن أن يستمر الوضع العسكري والأمني، أسوأ من الوضع العسكري في لبنان، فلن تلتزم "إسرائيل" بوقف النار وهذا ما أظهرته الأحداث بعد توقيع الاتفاق والتي لا تبشر بوقف القتل أو رفع الحصار الغذائي.
ربحت "إسرائيل" وأمريكا تثبيت انتصاراتهما التي صادق عليها العرب والمسلمون وأوروبا في قمة شرم الشيخ، وأخذت من حركة حماس وقوى المقاومة في غزة وفق معادلة "الضرورات تبيح المحظورات" "شيكًا سياسيًا" بعد التوقيع على خطة ترامب التي فرضت تنازل "حماس" عن السلطة ونزع سلاحها، وستطالب "إسرائيل" بصرف هذا الشيك، بعد التخلص من ورقة الأسرى وسيكون الرفض الفلسطيني حجة "لإسرائيل" للتنصل من الاتفاق ومواصلة حربها على غزة!
ربح التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" - العربي - التركي، بالتفاوض السياسي، ما عجز عن تحقيقه في الميدان العسكري كما حصل في لبنان.
التفاوض مع أمريكا و"إسرائيل" في ظل انعدام توازن القوة فعلٌ غير صائب ولا يحقق مصالح قوى المقاومة، وبعض المرات الاستمرار بالمقاومة أكثر ربحا من توقيع وقف النار، فربما تستطيع تحقيق مكتسبات أكثر.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل