أقلام الثبات
منذ الأيام الأولى للحرب الكونية على سورية؛ في منتصف آذار 2011، والموقف الروسي لم لا يزال هو هو، خصوصًا لناحية التمسك بوحدة الأراضي السورية، وإقامة حكم تشاركي - ديمقراطي في دمشق، أضف إلى ذلك محاربة الإرهاب والتطرف الذي يتهدد الأمن القومي الروسي عينه. لذا عززت القوات الروسية حضورها العسكري في سورية منذ السنوات الأولى للحرب على سورية، وتصدى الروس فيها للإرهابيين التكفيريين، بالتعاون مع الجيش العربي السوري ومختلف قوى محور المقاومة في السنوات الفائتة.
وبعد سقوط الدولة في سورية في أواخر العام الفائت، احتفظت القوات الروسية بقواعدها العسكرية الموجودة على الأراضي السورية، وهي: قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، قاعدة طرطوس البحرية، ومطار القامشلي العسكري في شمال- شرق البلاد السورية. أي لا يزال التأثير الروسي قوي فيها، ولا تزال موسكو تشكّل لاعبًا أساسيًا في هذه البلاد. انطلاقاً من التسليم بهذا الواقع، إضافة إلى التسليم بوجود "سلطة الأمر الواقع الراهنة في دمشق"، إذّا لا بد من التعاون بينهما، ولو بحدودٍ دنيا، أو أكثر من ذلك. وعلى يبدو فان العلاقات الثنائية بين موسكو ودمشق تتجه نحو إعادة التفعيل تدريجيًا، بخاصة على الصعد العسكرية والدبلوماسية والسياسية.
يذكر أن وفدًا عسكريًا سوريًا زار العاصمة الروسية موسكو في الأيام الفائتة، بهدف تطوير آليات التنسيق بين وزارتي الدفاع في البلدين، بحسب بيانٍ صادرٍ عن وزارة الدفاع الروسية.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، لا تزال مختلف الدول تتعاطى مع "سلطة أبي محمد الجولاني في دمشق"، كسلطة أمرٍ واقعٍ، لا كدولة ذات سيادةٍ، بدليل أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يدع رئيس "سلطة الأمر الواقع الراهنة في سورية" أبو محمد الجولاني إلى حضور القمة التي عقدها مع رؤساء الدول العربية الاسلامية، على هامش انعقاد أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، في الأسابيع الفائتة. فالتمثيل الدبلوماسي لا يزال على مستوى قائمين بالأعمال للدول التي تقيم علاقاتٍ دبلوماسيةٍ مع سورية، لذا لم يرتق التمثيل الدبلوماسي الروسي في دمشق إلى مستوى تبادل سفراء بين روسيا وسورية حتى الساعة.
انطلاقاً من هنا، وبالانتقال إلى الصعيد السياسي، فلا يستبعد مرجع سياسي ودبلوماسي سوري كبير أن "تتطور العلاقات الروسية - السورية إلى مستوى علاقات بين رئيسي الدولتين، أي (انعقاد لقاء بينهما ربما قد يكون غير معلن)"، لافتًا إلى أن "أولى مؤشرات هذه العلاقات، تظهر من خلال تطوير العلاقات الدبلوماسية بينهما، أي (تبادل السفراء)".
ويعدد المرجع الأسباب الآتية التي تدفع إلى تعزيز العلاقات السورية- الروسية:
أولًا- الواقعية السياسية: إن الوجود الروسي لا يزال فاعلًا على الأرض في سورية، ومن البديهي أن يكون انعكاس على الأوضاع السياسية.
ثانيًا- العلاقات الروسية مع كل من تركيا والكيان الصهيوني: إن العلاقات الجيدة التي تربط موسكو بأنقرة و"تل أبيب"، قد تساعد "سلطة الجولاني" في الحد من الاعتداءات الصهيونية على الأراضي السورية. كذلك تساعد العلاقة بين موسكو وأنقرة على إرساء الاستقرار في البلاد السورية، لما لهما من تأثيرٍ كبيرٍ في الواقع السوري، ودائمًا برأي المرجع المذكور آنفًا.
ثالثًا- الصراع التنافسي العالمي وانتهاء الحرب الباردة: لا تمانع الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب الوجود العسكري والتأثير السياسي لروسيا في سورية، على اعتبار أن التوجه السياسي الدولي لدى واشنطن راهنًا، يرتكز على التنافس مع الآخر، لا العودة إلى الحرب الباردة أي (إلغاء الآخر)، بل محاولة اقتسام أكبر قدر من المصالح والنفوذ مع "الآخر لا إلغائه"، برأي المرجع أيضًا.
رابعًا- إسقاط "النظام السابق": لا ريب أن روسيا كان لها دور في إسقاط النظام السابق، فليس خافيًا على أحد أن "قوات أحمد العودة" المدعومة من روسيا، قدمت من درعا إلى دمشق، وسيطرت على المواقع الرسمية والعسكرية فيها، يوم سقوط "النظام"، في الثامن من كانون الأول الفائت، قبل وصول "قوات الجولاني" بنحو ثماني ساعاتٍ. كذلك أدت "قوات أحمد العودة" دورًا أساسيًا بتأمين انتقال السلطة، من رئيس الوزراء السابق محمد غازي الجلالي إلى "سلطة الأمر الواقع الراهنة"، وفقًا لمعلومات ورأي المرجع.
خامسًا- تفعيل العلاقات الدولية مع "السلطة الراهنة في دمشق": قد تدفع العلاقة بين موسكو وهذه السلطة، إلى تفعيل العلاقات بينها وبين الدول الأوروبية التي ترفض تفعيل العلاقات السياسية والدبلوماسية مع هذه "السلطة"، قبل القضاء على المتطرفين في سورية، كتنظيم "داعش" الإرهابي، ومنع وصول المسلحين التكفيريين الأجانب من الوصول إلى مواقع في هذه "السلطة" أيضًا.
وانطلاقاً من التسليم بالواقعية السياسية، لا يستبعد المرجع عينه إقامة علاقة بين إيران و"السلطة في دمشق"، ولو في شكلٍ سريٍ أو بحدودٍ دنيا، لما لطهران من حضورٍ قوي وفاعلٍ في المنطقة.
الحضور الروسي يتعزز في سورية... ماذا عن الإيراني؟ ــ حسان الحسن
السبت 11 تشرين الأول , 2025 10:24 توقيت بيروت
أقلام الثبات

