خاص الثبات
في زمن الازدحام بالزيف، يقف دونالد ترمب على منبر الدم في الكنيست، لا كسياسي عابر بل كممثل بارع في أداء دور "صانع السلام" على وقع طبول الحرب.
الرجل الذي لم يتردد في تسليح آلة القتل الإسرائيلية، ولا في مباركة المجازر، ظهر متباهياً بسجله الأسود، مُدعياً أنه خاض معاركه من أجل "السلام"، في مفارقة تُغني عن كل تعليق.
من غزة إلى بيروت، مروراً بصنعاء، كان للدم الأمريكي دور في كل مشهد. لا قنابل تسقط إلا بإذن، ولا عقوبات تُفرض إلا بإرادة. حين تحدث ترمب عن شراكته مع نتنياهو، لم يُخفِ شيئاً: المجازر كانت "ضرورية"، والتحالف مع "بيبي" كان استثماراً في العنف المغلّف بعبارات الأمن والاستقرار.
لكن المشهد لم يكتمل هناك. في شرم الشيخ، حيث يُفرش السجاد الأحمر لمن لوّث يديه بدماء الأطفال، استُقبل ترمب كبطل دبلوماسي، بضحكات اصطناعية وعطور دبلوماسية تعبق على رائحة الدم.
الغريب ليس في الترحيب، بل في من يرحب. أنظمة تعرف جيداً معنى الخضوع، وتحترف التسويق للكارثة على أنها "انفتاح سياسي".
هنا تنكشف الحقيقة: لا أحد بريء. من يقتل ويقصف ويموّل، ومن يصفّق ويوقّع ويستقبل. كلهم شركاء في الجريمة، ولو بأدوار مختلفة. حتى من صمت، كان جزءاً من المشهد. حتى من قال "نثق برئيس لبنان" في سياق رسائل التهديد، فهو يعلم أن ما يُحاك للمنطقة أكبر من بيانات الدعم وأشد من خطابات المجاملة.
لبنان الذي تم التلميح له، ليس سوى ساحة أخرى على لائحة الانتظار. تهديد مبطّن يُقال بلغة الدبلوماسية، بينما تُعدّ السيناريوهات خلف الكواليس. لا أحد في مأمن، ولا خطاب يُطلق من هذا المستوى يكون عبثياً.
أما السلام، ذلك المصطلح المخروم من كثرة ما تم استخدامه لتجميل المذابح، فهو يُعاد تدويره اليوم كشعار دعائي في "أوقات الفراغ". لا سلام مع المحتل، ولا استقرار مع من يرى في الحرب وسيلة للتفاوض.
وما صُنع في شرم الشيخ أو قُدّم في الكنيست، ليس سوى مشهد جديد في مسرحية قديمة تُعرض منذ عقود: قَتَلةٌ يتصافحون أمام الكاميرات، وضحايا يُدفنون بصمت.
والجمهور؟ بين مصفّقٍ ومُنهكٍ وصامتٍ ومُضلّل. الكل في موقعه.
لكن التاريخ لا ينسى، والدم لا يجفّ بالكلام.