أقلام الثبات
تعريف "المقاول من الباطن" في قاموس عالم الأعمال، أنه شخص معنوي - سواء كان فرداً أو شركة - يتعاقد مع المقاول الأصلي لتنفيذ جزء معين من مشروع كبير، ولا تربطه علاقة تعاقدية مباشرة بالمالك الأصلي للمشروع، بل يظل المقاول الأصلي هو المسؤول عن أداء المشروع أمام المالك.
وإذا كان المالك الحقيقي للدولة السورية هو الشعب السوري، فإن المقاول الأصلي حالياً هو الرئيس المؤقت أحمد الشرع، وسواء كانت الأملاك عامة أو خاصة، فإن العامة من الناس - في حالة "الانقضاض على السلطة قهرياً" - ممنوعٌ عليها الاطلاع على أسرار الصفقات مع "المقاولين من الباطن"، سواء حصلت هذه الصفقات في قاعات القصر الجمهوري، أو ملحقات هذا القصر في فندق "Four Season"، أو خارج الأراضي السورية.
نموذج بسيط عن هذه الصفقات، رآه السوريون بأم العين، عندما كانت جرافات وشاحنات إمبراطور المقاولات محمد حمشو تقضم البيوت المنهارة لتفصل الحديد عن هياكل الإسمنت وتنقله إلى معامل إعادة التدوير، تحت عنوان "رفع الركام"، فيما رفع الظلم عن الشعب السوري يتناوب عليه "مقاولون من الباطن" متعددو الجنسيات، من التركي إلى القطري إلى "الإسرائيلي" إلى الأميركي وانتهاء بالروسي، في ما يشبه "المناقصات" حيناً، و"المزادات العلنية" أحياناً، والمقاول الأصلي أحمد الشرع تائه بين تجاذبات "المقاولين".
ولمن لا يعرف بعد حقيقة محمد حمشو، سواء من السوريين أو من المتابعين للوضع السوري، فإن حكاية هذه الشخصية مع نظام أحمد الشرع تختصر حكاية أحمد الشرع نفسه.
هو كان من أبرز رجال الأعمال المقربين من نظام الرئيس بشار الأسد، ويُقال إنه كان الواجهة التجارية والمالية لماهر الأسد، وهو من أباطرة الاقتصاد في مجالات الاتصالات والدعاية والإعلان والتسويق والإنتاج الفني والإعلامي، ويمتلك "مجموعة حمشو الدولية"، التي تعمل في مجالات المقاولات والتعهدات السكنية والحكومية، وتتبع لها نحو 20 شركة فرعية، وهو على الصعيد الحكومي والاقتصادي شغل منصب أمين سر غرفة تجارة دمشق، وأمين سر اتحاد غرف التجارة السورية، كما ترأس مجلس المعادن والصَّهر، وكان عضواً في مجلس الشعب خلال الدورة التشريعية ما بين 2016 و2020.
ومحمد حمشو هو أحد الذين نجحوا بقدراتهم المالية في تسوية أوضاعهم وانتقلوا بسلاسة من نظام الرئيس بشار الأسد إلى عقد الصفقات مع ماهر الشرع؛ شقيق الرئيس الحالي، وإذا كان حمشو عبر تقاسم الصفقات مع حكومة الشرع قد جدد نشاط شركاته وأمن سلامته من تصفية الحسابات، فإن أحمد الشرع عبر شقيقه ماهر أمَّن لنفسه سياسة "التمكين" التي تتقنها الجماعات المتطرفة للوصول الى الحكم وتعزيز السلطة، ولو على حساب المبادئ الفضفاضة المعلنة، التي يتم إلهاء الشعب بها على إيقاع جرافات أمثال حمشو التي قضمت الحجر والبشر في سوريا.
وإذا كانت سياسة "التمكين" هذه، التي يحملها أحمد الشرع معه من "القاعدة" و"النصرة" لبلوغ السلطة والجلوس المديد على عرشها، فإن هذه السياسة التي نجحت عبر إبرام الصفقات مع بعض كبار المستثمرين في البلد، ترافقت مع انتهاج المقاتلين لسياسة "التمكين" في الساحل والسويداء وبعض أحياء دمشق، عبر النهب ومصادرة الأموال والمقتنيات، والحرق والتدمير والتهجير والخطف والاغتصاب والاغتيالات، ولم تمكِّن أحمد الشرع من الحفاظ على سوريا الواحدة الموحَّدة، وعليه ربما الاستعداد لإبرام صفقة بقائه في السلطة على رأس دولة اتحادية من أربعة أقاليم، سواء عبر تغيير حكومي أو على مستوى وزارات الدفاع والداخلية والعدل، وإعادة ضم كبار الضباط والجنود من الجيش السوري القديم، لإنقاذ حكمه المتشظي، مع وجوب تحديد الخيارات السياسية الإستراتيجية.
ممنوعٌ عليه أن يكون تركياُ كي لا يغيظ بعض العرب و"إسرائيل"، وممنوع عليه أن ينفتح على "إسرائيل" كي لا يغيظ بعض العرب وتركيا، وممنوع عليه أن يكون فقط أميركياً والروس في الساحل، ولا أن يكون روسياً والأميركيون في الشمال الشرقي، بل ربما عليه أن يكون كما هو عليه الآن، كل مَن طالبه بتنازل قال له "نعم"، إلى أن تأتي الخرائط والتوجيهات التوافقية من الخارج، ويكون دوره الى حين رحيله، "خادم مأدبة التقاسم".