أقلام الثبات
اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منبر الكنيست "الإسرائيلي" لإعلان انتصاره في الحرب وتحقيق السلام الشامل، وإعلان نفسه ملكًا على العرب والمسلمين مع وزيره "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، بالتلازم مع إهانته للرؤساء والملوك والأمراء العرب والمسلمين والأوروبيين الذين فرض عليهم الانتظار لبدء قمة شرم الشيخ التي عقدها للمصادقة على قراراته والتصفيق لخطاب الانتصار.
لا يمكن إنكار حقيقة ربح التحالف الأمريكي - "الإسرائيلي" مكاسب كانت شبه مستحيلة، ولا يمكن تحقيقها إلا بدفع أثمان كبيرة في السياسة والجغرافيا والعمل وتحتاج لفترات زمنية طويلة، فاستطاعت أمريكا بذراعها الإسرائيلي العسكري وأذرعها العربية والتركية والتكفيرية من إنجازها بشكل خيالي وبسرعة قياسية، فسقطت سوريا بأيام معدودات واغتالت "إسرائيل" قيادات محور المقاومة التاريخية التي قادت العمل المقاوم طوال ثلاثة عقود واستطاعت تحقيق انتصارات وإنزال هزائم مدوية "بإسرائيل" وأمريكا وتهديدًا وجوديًا للكيان الإسرائيلي وتزايدت عربات قطار التطبيع وهرول العرب والمسلمون لحجز مقعد في قطار الاستسلام قبل فوات الأوان ولم يبق على أرصفة الشرف والكرامة، إلا بضع حركات مقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن وإيران.
اختار ترامب توقيتاً رمزياً لخطاب الانتصار المزعوم في "أكتوبر" لرد الاعتبار للكيان "الإسرائيلي" بعد عملية "طوفان الأقصى"، ليسترد الأسرى في نفس التوقيت الذي أسرتهم فيه حماس ولينهي قضية تشكل عاملاً لتفجير وإقلاق المجتمع والحكومة "الإسرائيلية" وحتى لا نقع في فخ التضليل "الترامبي" ونكون ضحايا الحرب النفسية فنخاف ونستسلم ونتنازل عن ما بقي في أيدينا من أوراق قوة أو نأمن للتطمينات والتصريحات الأمريكية، بأن الحرب قد انتهت، فنغمض أعيننا ونغفو ويجتاحنا "الإسرائيلي" والأمريكي، ولابد من توضيح خطاب التضليل والخداع وفق التالي:
- كذبة انتهاء الحرب: أعلن "ترامب" أن الحرب قد انتهت وكررها ثلاثًا... ولكن السؤال: أي حرب انتهت؟
هل هي حرب غزة أم حرب لبنان أم حرب على اليمن أو الحرب على سوريا أو الحرب على الضفة...؟ فالحرب لم تنته بعد، فلا زالت "إسرائيل" مستمرة في حربها على لبنان وسوريا واليمن وبانتظار تجددها على إيران واستمرار الحرب على غزة والقضية الفلسطينية، بوجهها الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، فالحرب على غزة أوقفت "مؤقتًا" بوجهها العسكري والذي يمكن أن يتجدّد ساعة تريد "إسرائيل" وأمريكا تحقيق مكاسب إضافية.
- كذبة السلام: أعلن "ترامب" أنه حقق السلام في منطقة الشرق الأوسط لأول مرة منذ احتلال فلسطين... والسؤال: ما هو السلام الذي تحقق؟ هل قامت دولة فلسطين المستقلة؟ هل انسحبت "إسرائيل" من لبنان والتزمت بالقرار الدولي وقف إطلاق النار واتفاق وقف النار؟ هل انسحبت من سوريا أم لا زالت تتقدم باتجاه دمشق؟ هل أوقفت "إسرائيل" حربها الأمنية والعسكرية ضد إيران؟ هل ستلتزم "إسرائيل" بعدم الاعتداء على العراق واليمن؟
لا سلام في الشرق الأوسط، بل ينقسم الشرق الأوسط إلى قسمين: أغلبية من العرب والمسلمين مستسلمة خاضعة لا تملك قرارها وتعيش هاجس الخوف من خلعها وعزلها عن الحكم إن قصّرت في تنفيذ القرارات الأمريكية والإسرائيلية وقلّة مقاومة لا زالت تقاوم وترفض الاستسلام أو نزع سلاحها أو التوقيع على معاهدات التطبيع والاستسلام "لإسرائيل".
- كذبة إعلان الانتصار: صحيحٌ أن التحالف الأمريكي - "الإسرائيلي" حقق أرباحًا ومكاسب عسكرية وأمنية وسياسية مرحلية واستراتيجية، لكن لا يمكن إعلان النصر النهائي، مادامت الحرب لم تنته بعد، ولن تنتهي، ولا زالت حركات المقاومة على قيد الحياة رغم جراحها النازفة وخسارة قياداتها المركزية والرمزية، لكن المشروع المقاوم ليس أشخاصًا رغم أهميتهم، بل هو واجب ديني ووطني وأخلاقي وهو "عقيدة وفكرة" لا تموت، ربما تذبل أو تضعف أو تتكسر بعض أغصانها لكن جذعها قابل لإعادة الاخضرار عندما تسقيه الدماء والتضحيات الصادقة ويتخلص من جرثومة المقاولين ويبقى في حماية المقاومين.
خسرنا معركة من حرب طويلة، لكننا لم نخسر الحرب بعد ويمكن لنا أن نسترجع ما خسرناه إذا قمنا بمراجعة أخطائنا وتشخيص نقاط الضعف وترميم الثغرات وحسن إدارة الحرب وتطويرها وعدم حصرها بالمقاومة المسلّحة بل توسعة مساراتها الثقافية والفكرية والسياسية والجغرافية والاقتصادية، فمن يملك رغيف الخبز وحبة الدواء يستطيع أن يسلب منك بندقيتك ورصاصك وحتى انتصاراتك.
لا تصدّقوا الأكاذيب والتضليل... ولا تخافوا... نستطيع النهوض ثانية... والانتصار بإذن الله الجبّار...
ترامب وخطاب التضليل... ووهم الانتصار وإنهاء الحرب _ د. نسيب حطيط
الثلاثاء 14 تشرين الأول , 2025 02:09 توقيت بيروت
أقلام الثبات

