خاص الثبات
في مشهد سياسي تتقاطع فيه الحسابات والمصالح، تبرز إيران مرة أخرى كصوتٍ مبدئي لا تحكمه ضغوط اللحظة ولا تُخضعه المجاملات الدبلوماسية.
غياب الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن قمة شرم الشيخ لم يكن ترفاً سياسياً، ولا انسحاباً من دائرة التأثير، بل كان موقفاً مدروساً يعكس التزام طهران بمبادئها، ورفضها الجلوس إلى طاولة واحدة مع من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، وواصلوا سياسة العقوبات والعدوان ضد الشعب الإيراني.
وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، عبّر بوضوح عن هذا الموقف عندما كتب في مدونة على منصة "إكس":
"لا يمكننا التعامل مع الذين شنوا العدوان على الشعب الإيراني ومازالوا يهددوننا ويفرضون العقوبات علينا."
بهذا التصريح، وجّه عراقجي رسالة مباشرة إلى واشنطن وحلفائها، مفادها أن إيران لا تُمارس السياسة من باب الانبطاح، ولا تقبل أن تُختزل في مشهد دبلوماسي تطغى عليه المجاملات على حساب دماء شعوب المنطقة وحقوقهم.
رغم الترحيب الإيراني بدعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتقديرها السياسي لها، إلا أن طهران أوضحت أنها لا تضع الحوار فوق المبادئ. نعم، إيران تؤمن بالحوار، لكنها لا تؤمن بشرعية الجلوس مع المعتدين. ومن يفرض العقوبات، ويصعّد التهديدات، ويدعم كيان الإبادة الجماعية في فلسطين، لا يمكن أن يكون شريكاً في حديث عن السلام.
الموقف الإيراني من العدوان الإسرائيلي على غزة كان حازماً منذ اللحظة الأولى، ويتجدد في كل منبر. وكما قال عراقجي:
"تُرحّب إيران بأي مبادرة تُنهي الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة وتُؤدي إلى إخراج قوات الاحتلال."
وهذا ليس مجرد تصريح عابر، بل موقف ثابت في السياسة الخارجية الإيرانية، التي ترى أن الحق الفلسطيني في تقرير المصير ليس موضوعاً للتفاوض، بل واجب دولي يجب على الجميع دعمه، خاصة في ظل التواطؤ الغربي العلني مع الاحتلال.
واشنطن ليست وسيطاً بل طرفٌ في الجريمة
حين تدعو الولايات المتحدة إيران إلى "الانضمام إلى قوى السلام"، فإنها تتجاهل دورها الحقيقي كطرف رئيسي في زعزعة أمن المنطقة، وداعم صريح لكيان الاحتلال الإسرائيلي. كيف يمكن لطهران أن تثق بواشنطن، وهي التي تفرض عليها عقوبات شاملة، وتستهدف أمنها، وتدير قواعد عسكرية حول حدودها، ثم تدعوها للحوار وكأن شيئاً لم يكن؟
الرد الإيراني جاء بمنتهى الوضوح: لا يمكن الجلوس مع القتلة. لا يمكن أن تكون اليد التي تضغط على الزناد هي نفسها التي تمتد للسلام. إيران تدرك هذا جيداً، وتُصر على التمييز بين الحوار الحقيقي وبين الفخاخ السياسية التي تُلبّس بلبوس الدبلوماسية.
الرسالة الإيرانية واضحة: لن تبيع طهران مبادئها مقابل دعوات مؤقتة إلى مؤتمرات لا تغير شيئاً في الواقع القائم. فإيران لا تُقايض السيادة بالصور التذكارية، ولا تضع يدها في يد من يمارس الإرهاب الاقتصادي ضد شعبها. وبهذا، تُثبت مرة أخرى أن السياسة لا تكون مؤثرة إلا عندما تُبنى على الكرامة، والحق، والمبدأ.