اتفاق غزة الأخير: وقف إطلاق نار مؤقت أم تحول استراتيجي؟

الجمعة 10 تشرين الأول , 2025 11:34 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

بعد نشر النص الكامل للاتفاق المبرم بين حركة حماس و "إسرائيل"، تبيّن أن هذا التفاهم الذي طال انتظاره لا يتجاوز كونه ترتيبًا إنسانيًا محدودًا، يقوم أساسًا على تبادل الأسرى وهدنة مؤقتة تستمر 72 ساعة. أما الملفات السياسية الشائكة، وعلى رأسها مستقبل قطاع غزة، فقد تم تأجيلها دون وضوح في الرؤية.

أولاً: الاتفاق بعيد عن شروط "اليوم التالي"

اللافت أن الاتفاق لا يشمل أي إشارة لما يُعرف بـ"ترتيبات اليوم التالي"، والتي كانت "إسرائيل" تصرّ عليها في كل مفاوضاتها السابقة، وخصوصًا ما يتعلق بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية أو تغيير بنية الحكم في غزة. هذا يعني أن تل أبيب قبلت بوقف مؤقت لإطلاق النار دون تحقيق الحد الأدنى من أهدافها المعلنة في بداية الحرب، وهو أمر يستدعي الوقوف عنده.

ثانيًا: تنازلات إسرائيلية غير مسبوقة؟

بنود الاتفاق، مقارنة بما كانت تلحّ عليه "إسرائيل" سابقًا، تُعدّ تراجعًا واضحًا في سقف مطالبها. فالموافقة على إطلاق سراح أسرى فلسطينيين محكومين بالمؤبد، وهو ما كان يُعد "خطًا أحمر" في السياسة الصهيونية، تعكس حجم الضغوط السياسية والإنسانية التي تواجهها تل أبيب، سواء داخليًا أو خارجيًا.

ثالثًا: ماذا عن حكم غزة؟

غياب أي بند يتعلّق بالجهة التي ستتولى إدارة غزة بعد الحرب، يترك الباب مفتوحًا أمام الوقائع الميدانية لفرض نفسها. وبما أن الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، ما تزال تتمتع بالسيطرة العسكرية والأمنية على الأرض، فإن ذلك يعني أنها ستظل الطرف الأقوى في المعادلة المحلية، على الأقل في المدى القريب، ريثما يتم التفاوض على ترتيبات أكثر ديمومة.

رابعًا: التحول في مواقف الضامنين الدوليين

منذ أواخر عام 2023، كانت تركيا قد عرضت لعب دور الضامن لأي اتفاق مستقبلي، وهو ما قوبل برفض إسرائيلي في حينه. إلا أن الاتفاق الحالي يتضمن تركيا كطرف ضامن إلى جانب مصر وقطر والولايات المتحدة، وهو ما يشير إلى قبول دولي أوسع لإعادة التوازن إلى طاولة المفاوضات، وربما أيضًا إلى رغبة أميركية في إنهاء الحرب ولو جزئيًا، قبل أن تتحول إلى أزمة دائمة.

خامسًا: الهواجس والمخاوف من التفاف "إسرائيلي"

ورغم ما يبدو من اختراق سياسي، إلا أن هناك بنودًا مثيرة للقلق. أحدها ما ورد في البند الرابع من الاتفاق، حيث تربط إسرائيل استمرار انسحابها بالتزام حماس الكامل ببنود الاتفاق. هذه الصيغة فضفاضة وتمنح "إسرائيل" هامشًا واسعًا للتراجع أو إعادة التصعيد في حال رأت أن الظروف تسمح بذلك.

الخوف هنا من تكرار سيناريو شبيه بما جرى في جنوب لبنان، حين استغلت "إسرائيل" الفترات التي تلت وقف إطلاق النار للقيام بعمليات نوعية تحت ذرائع مختلفة، بدعم غير مباشر من القوى الدولية. أما في غزة، فالمخاوف تنبع من احتمالية استخدام ملف الأسرى أو الجثامين كذريعة لنسف التفاهمات والعودة إلى مربع المواجهة.

أخيرًا: مرحلة انتقالية بلا ملامح

غياب خريطة واضحة للانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، وتأكيد بقاء بعض المناطق تحت الاحتلال المباشر، يعزز المخاوف من أن الحرب لم تنتهِ فعليًا، بل جرى تعليقها مؤقتًا. وهذه المرحلة "الانتقالية" قد تكون أخطر من الحرب نفسها، لأنها تضع السكان في حالة من اللايقين، وتفتح المجال أمام التلاعب بالملفات الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية لاحقة.

خلاصة القول: الاتفاق الراهن هو نجاح مرحلي لحماس من حيث الحفاظ على وجودها العسكري والسياسي، وانتزاع تنازلات كانت تُعتبر مستحيلة قبل أشهر. لكنه في الوقت ذاته، لا يحمل أي ضمانة حقيقية لوقف دائم للحرب، ولا يعالج جذور الأزمة. لذا، فإن الحذر واجب، واليقظة ضرورة، خاصة في ظل تقلب المزاج الدولي، ومراوغة الاحتلال المستمرة في الالتزام بالتفاهمات.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل