أقلام الثبات
أجرت صحيفة واشنطن بوست (2-9 أيلول/ سبتمبر 2025) استطلاعاً لرأي اليهود الأميركيين حول "إسرائيل" وما تقوم به في غزة، وقد اعتبر 61% من المشاركين أن “إسرائيل” ترتكب جرائم حرب في غزة، بينما 39% يرون أنها ترتكب إبادة جماعية، ويعتقد 59% أن “إسرائيل” لا تبذل جهودًا كافية لتخفيف المعاناة الإنسانية في غزة.
وفي نظرتهم لنتنياهو، 68% ينظرون بسلبية الى نتنياهو؛ 48% يرونه "ضعيفًا، وتُحمّل غالبية المُستطلعين نتنياهو مسؤولية استمرار الحرب.
وحول الروابط العاطفية والثقافية والهوية يقول 76% إن وجود "إسرائيل" حيوي لمستقبل الشعب اليهودي، ويقول 56% إنهم مرتبطون عاطفيًا بـ”إسرائيل” (36% فقط من الفئة العمرية 18-34 عامًا يقولون ذلك).
ويلاحظ من الاستطلاع أن اليهود الأصغر سنًا أكثر انتقادًا للممارسات "الاسرائيلية"؛ على سبيل المثال، يقول 50% من اليهود الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا إن “إسرائيل” ارتكبت إبادة جماعية. وفي خلاف كبير مع اليهود القاطنين في “إسرائيل”، يرى 59% أن التعايش السلمي بين “إسرائيل” ودولة فلسطينية ممكن، 62% يقولون إنه من المقبول أن تحكم غزة حكومة فلسطينية منتخبة.
انطلاقاً من هذا الاستطلاع، نجد أن حرب الإبادة التي تشنّها "إسرائيل" في غزة، تكلّفها على الصعيد العالمي والدولي، وضمن اليهود في العالم.
وفي ظل التبدل في الرأي العام العالمي وازياد الدول الداعمة للفلسطينيين ونزع الشرعية عن “إسرائيل”، وتحويلها الى محكمتين دولتين، بات العديد من باحثي العلاقات الدولية يشككون في المقاربة العقلانية في العلاقات الدولية، ويعتبرونها باتت من الماضي، وان تصرفات "إسرائيل" غير عقلانية.
تستند المقاربة العقلانية الى ان صنّاع القرار هم عقلانيون، وبالتالي هم يتصرفون بطريقة أنانية، لزيادة قدراتهم وتحقيق مصالحهم، فرجل الدولة العقلاني يعمد الى تصنيف الخيارات المتوفرة، ثم يعمد الى اختيار الخيار الافضل؛ أي الأقل كلفة والأكثر ربحاً.
مفكرو النظرية العقلانية يستخدمون منطق "الربح المتوقع"، مما يعني أن جميع الخيارات والقرارات تبنى على أساس ان هناك ربح ما يتوقع تحقيقه، وان مصلحة الدولة سواء الاقتصادية أو الأمنية أو الاستراتيجية هي ما يقيسه أصحاب القرار عندما يتخذونه بناء على تحليل يعتمد عملية تحليل "الربح – الخسائر" Cost – Profit analysis.
قد يصح القول إن النظرية العقلانية باتت من الماضي، لولا أمرين:
1- أولاً: إن صاحب القرار ليس آلة حسابية مطلقة، بل هو شخص له تصورات شخصية وعقائدية وايديولوجية، وبالتالي تتأثر "عقلانيته" بتحيّزاته الشخصية التي يقيس من خلالها الربح والخسارة. وفي هذا الإطار يقول هربرت سيمون، إن صانع القرار لا يختار "أفضل" خيار بالضرورة، بل الخيار الذي يبدو له "مرضياً" ضمن حدود إدراكه وإمكاناته.
2- ثانياً، والأهم، إن الأرباح لا تقاس جميعها بالمال او الاقتصاد، فأحياناً يتم التضحية بالاقتصاد من اجل ربح استراتيجي كبير "متصور".
انطلاقاً مما سبق، يمكن ان نقول إن كل الأكلاف التي تتكبدها “إسرائيل” على الصعيد الاقتصادي، أو العالمي أو السمعة الدولية، أو ضمن يهود العالم، تبقى بتصور نتنياهو واليمين "الإسرائيلي"، "مقبولة"، مقابل تحقيق "ربح" استراتيجي كبير جداً هو تأسيس “إسرائيل” الكبرى، بالإضافة الى البقاء في الحكم وسيطرة اليمين المستمرة. وبالتالي، إن التصورات الأيديولوجية لليمين الإسرائيلي تجعل خيار التصعيد والاستمرار بالحروب – مهما بلغت تكلفتها - خياراً عقلانياً من الزاوية التي ينظرون اليها الى الأمور.