تعميم الخيانة ــ عدنان الساحلي

الجمعة 03 تشرين الأول , 2025 01:34 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
  شهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة همروجة إعلامية، أقيم فيها مؤتمر للاعتراف بدولة فلسطين، بما يعرف بحل الدولتين، لأن مسلسل الاعترافات الذي حصل بعدها، هو "شيك" من دون رصيد، لم يتم صرفه، لأن المقصود فيه أن يكون قنابل دخانية، للتعمية على جرائم العدو "الإسرائيلي" بحق الشعب الفلسطيني عموماً، وبحق سكان قطاع غزة خصوصاً. ولإسكات أصوات شعوب تلك الدول، التي نزلت إلى الشوارع تستنكر الإجرام "الإسرائيلي" وحرب الإبادة بحق المدنيين في غزة ، الذين اقترب عدد شهدائهم بأسلحة القتل الأميركية - "الإسرائيلية" من رقم سبعين ألف شهيد، بين طفل وامرأة ومسن؛ ووصل عدد المصابين إلى مائة وسبعين الفاً، من المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة، أمام أحدث ادوات القتل الأميركية، التي يزود بها رؤساء أميركا كيان الغزاة الصهاينة. 
فمنذ 78 عاماً أقرّ حل الدولتين، عندما أصدرت الأمم المتحدة القرار 181، الذي قسمت بموجبه فلسطين بين كيانين: يهودي هو "إسرائيل" مساحته 15 ألف كيلومترا مربعاً؛ وعربي مساحته 11 ألف كيلومترا مربعاً، فيما تركت القدس وبيت لحم تحت وصاية دولية. لكن معظم الأنظمة العربية، التي أنشأها الاستعمار نفسه، الذي اعطى فلسطين لليهود، خصوصأ المملكة السعودية والأردن ومصر لبنان، كانت متواطئة مع دول الاستعمار القديم، بريطانيا وفرنسا في الموافقة المسبقة على بيع فلسطين للحركة الصهيونية؛ وهي سايرت شعوبها والفلسطينيين في الشكل، في رفض قرار التقسيم وحل الدولتين، كما سايرتهم في دخول الحرب لتحرير فلسطين. لكن كمثال، كان جيش الملك عبد الله، أول ملوك الأردن، بقيادة ضابط إنكليزي يدعى غلوب باشا (ملقب بأبو حنيك)؛ وكان يدعو الفلسطينيين لمغادرة مدنهم وقراهم، ليتسنى للجيش اخذ حريته في القتال، لكنه بعد إفراغ تلك البلدات من اهاليها، كان يقوم بتسليمها للعصابات الصهيونية، مثل الهاغاناه وشتيرن وغيرها. 
  أما النظام الملكي في مصر، فسلم جيشه أسلحة فاسدة ليقاتل بها ضد فرق يهودية مدججة، كانت مشكلة ضمن الجيوش الأوروبية في الحرب العالمية الثانية. في حين كان الرئيس اللبناني بشارة الخوري، يضغط على الوكالة اليهودية، للتخلص مما اسماه "حاجزاً يفصل بين فلسطين اليهودية ولبنان الماروني، هو المسلمين الشيعة في جبل عامل، لتهجيرهم واسكان الموارنة المغتربين في أميركا".
والجريمة الكبرى، كانت من فعل مؤسس مملكة آل سعود، "السلطان عبد العزيز"، حسب تسميته لنفسه، حيث كتب للمندوب السامي البريطاني في العراق "السير بيرسي كوكس" وثيقة فيها: "أقر واعترف ألف مرة لمندوب بريطانيا العظمى، بأن لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود، أو لغيرهم. وكما تراه بريطانيا، التي لا اخرج عن رأيها حتى تصيح الساعة".   
والآن وفي موازاة خطة ترامب لإلغاء القضية الفلسطينية، تقود المملكة السعودية وتركيا وبعض دويلات الخليج، هجمة للاعتراف بالكيان "الإسرائيلي" غير الشرعي، تحت ستار القبول العالمي بحل الدولتين، حيث 
تعترف الدول العربية عامة بوجود "إسرائيل" وتكرس دورها وشرعيتها. في تعميم للخيانة القديمة وتكريس لها، مقابل كلام عن دولة على الورق، اسمها فلسطين، منزوعة السلاح وغير قابلة للحياة بل هي في حقيقتها مشروع لتهجير الفلسطينيين إلى خارج وطنهم، بحثا عن عمل وعن لقمة عيش ممنوعة عليهم في بلدهم، الذي سيبقى "الإسرائيلي" مسيطراً عليه بشكل مباشر، طالما أنه ممنوع على المقاومين أن يبقوا فيه؛ ولا ان يسمح لتلك الدولة بأن تملك سلاحا تدافع فيه عن أرضها وشعبها. وها هو محمود عباس، العامل في خدمة أمن الكيان المحتل وعند دول التطبيع، يعلن بملء فمه انه لا يريد دولة مسلحة.
  أما الكلام عن دعم عربي للفلسطينيين، مقابل قبولهم بمشروع "السلام"، فهو أكاذيب وأوهام. ولنتذكر الوعود التي أعطيت للأردن ومصر بعد كمب ديفيد ووادي عربة، فكلها ذهبت أدراج الرياح. 
وهذا "السلام" الذي يروج له، بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يتم فضحه بلسان ترامب ذاته، الذي سبق ان قال إن سكان غزة لا يمكن لهم العودة إليها بعد إعادة إعمارها. وهو يناقض أقواله بين يوم وآخر، بما يرضي اللوبي الصهيوني، الذي يتحكم بالإدارة الأميركية.
وها هو المندوب الأميركي الصهيوني، من أصل لبناني توم براك، يعلن بكل صراحة، أن الدعم الأميركي للجيش اللبناني سيتوفر ليتصدى الجيش للمقاومة في لبنان؛ وليس لمقاتلة "إسرائيل".
  كما أن خطة ترامب لا تشير بأي شكل إلى حق الشعب الفلسطيني بحل تقرير المصير. ولا لحل الدولتين ولا لأي اعتراف بدولة فلسطينية، والدول العربية التي رحبت بخطة ترامب، تعلم بعدم وجود تلك الحقوق الفلسطينية في مشروع ترامب، الذي يدعي أنه للسلام ولإنهاء الحرب في غزة. وسيدفع لبنان ثمن ترحيب مسؤوليه المتسرع وغير المسؤول بالخطة الترامبية، توطيناً للاجئين الفلسطينيين في لبنان، مثلما سيحدث للفلسطينيين اللاجئين في مصر وسورية والأردن وغيرها من الدول العربية. وما الإصرار على نزع سلاح المقاومة في لبنان؛ وعلى تهديد إيران والضغط المتصاعد على حكام دمشق الجدد، لإبرام اتفاقية استسلام كامل مع العدو، إلا لإخلاء الساحة أمام استكمال الهجمة الأميركية – الصهيونية. فما نشاهده من نفوذ أميركي و"إسرائيلي" على معظم الأنظمة العربية، هو تطبيق لشعار "إسرائيل العظمى"، التي تبسط نفوذها وهيمنتها على كل جوارها. فيما الضغط الأميركي - السعودي يأخذ مسارين: الأول نزع سلاح المقاومة والغاء أي فعل مقاوم ضد الغزاة الصهاينة؛ والثاني، الترويج "لاتفاقيات إبراهام"، في تعميم للخيانة وتمهيد للأرض، لتتقبل التمدد "الإسرائيلي" تحقيقاً لإقامة "إسرائيل الكبرى".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل