أقلام الثبات
قال كبير الإعلاميين في الولايات والمتحدة؛ تاكر كارلسون: "لا يوجد شيء اسمه شعب الله المختار... الله لا يختار شعباً يقتل الأطفال".
وفي مقابلة أجرتها "قناة مكان الإسرائيلية" مع أحد الأشخاص من الحلقة الضيقة لنتانياهو، رفض الكشف عن اسمه، قال: "بدا لنا نتنياهو خلال العامين الماضيين رجلاً بلا ملامح وبلا ضمير، وقام بأعمال لم يقدم عليها هتلر"، وأضاف: "لدينا وحدات من الجيش دخلت غزة واختفت، وتم شطب أسماء أصحابها من السجلات دون أن يعرف أحد مصيرها، وقرار ترامب بوقف النار أنقذ وحدة من جيش الدفاع كانت محاصرة في شمالي القطاع".
ولعل إقرار زعيم المعارضة "الإسرائيلية" يائير لابيد في الكنيست، وبحضور ترامب، أن الأخير أنقذ "إسرائيل" في اللحظة الأخيرة من الغرق في الأزمات التي ورطها فيها نتانياهو، فإن أولى تداعيات ما بعد الحرب على حكومة نتانياهو، هو قبولها بما يسمى "مجلس سلم" متعدد الجنسيات، للإشراف على إدارة قطاع غزة من حكومة تكنوقراط فلسطينية.
وإذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد فرمل اندفاعة نتانياهو المتهورة في العدوان، فهو أعلن مراراً أن "إسرائيل" خسرت ثقة كل الدول الغربية، كدولة لا تحترم أدنى معايير حقوق الإنسان، فإن ترامب نفسه هو "صانع صفقات وليس صانع سلام"، كما يرى المطران حنا عطالله في مقالة له، أعلن فيها: "أننا مع السلام ولسنا مع الصفقات على حساب الشعوب المقموعة والمظلومة والمتألمة".
والمفاجئ في ردود الفعل على انتهاكات حكومة نتانياهو، أن السفير الأميركي لدى الكيان الصهيوني مايك هاكابي، دعا الأميركيين المسيحيين إلى مقاطعة "إسرائيل"، وسحب الاستثمارات منها، لا بل وفرض العقوبات عليها، بعد سلسلة من الاعتداءات التي تعرّض فيها مسيحيون للإهانة والضرب من قبل اليهود.
وقد سبق للسفير هاكابي الإعلان عن أن "إسرائيل" لم تعد ترحب بالمجموعات المسيحية داخل الكيان، عبر التقاعس عن منح تأشيرات سياحية للبعثات الإنجيلية إلى القدس، وطالب باعتماد المعاملة بالمثل، وعدم إعطاء تأشيرات ليهود "إسرائيل" إلى الولايات المتحدة.
هذه السمعة الدولية السيئة لحكومة نتانياهو، أوصلت مؤخراً دولاً كبرى للاعتراف بدولة فلسطين، وأبرزها بريطانيا وفرنسا، مع إظهار بعض الدول العربية حزماً في المواقف، مثل قطر والسعودية ومصر، ما اقتضى خلق خطة ترامب للسلام في غزة، وما بين سطور هذه الخطة عجز "إسرائيلي" عن احتلال القطاع، وعجز أميركي عن استمرار دفق المساعدات لجيشٍ لم يعد يرغب بالقتال في غزة، لا بل بات ضباطه يتمردون على القيادات السياسية والعسكرية.
وصحيح ما تفضل به المطران حنا عطالله حول التزاوج بين عدوانية الصهاينة وشخصية ترامب المجبولة بالرغبة في إبرام الصفقات، ولكن لا استطاعت "إسرائيل" هزيمة حماس عسكرياً، ولا القضاء على كامل قياداتها الذين يتوالدون قادة في الأنفاق، ولا استطاع ترامب تحقيق حلم "الريفييرا" على سواحل القطاع عبر تهجير وتصدير أبناء غزة سواء إلى سيناء أو إلى إحدى الدول الإفريقية، ما يعني أن خطة ترامب جاءت نتاج نصر استراتيجي فلسطيني شعبي حققه أبناء غزة، وهم مَن كتبوا بالدماء خطة السلام هذه بانتظار أن تنتهي الفترة الانتقالية إلى قيام دولة فلسطين.
وإذ يُسجَّل على الفلسطينيين استمرار انقساماتهم إلى "قوى وفصائل"، دون أن تتأثر مقاومتهم في الداخل بهذه الانقسامات، فإن حكومة التكنوقراط الفلسطينية التي ستدير قطاع غزة بإشراف "مجلس السلام" وقوات دولية وعربية لتدريب عناصر الأمن والشرطة، فإن الموقف العربي برفض الوصاية على الفلسطينيين وضرورة إشراكهم في حكم القطاع عزز الموقف الفلسطيني في سابقة يستحق فيها بعض العرب التنويه المباشر والتقدير التاريخي.
والختام، مع ضابطة في الجيش "الإسرائيلي" قاتلت في قطاع غزة، وخرجت في فيديو مع تمويه وجهها وقالت:
لا أستطيع الإفصاح عن هويتي وعن ملامحي ولكن اعلموا: نحن لا نستطيع أن نهزم الفلسطينيين لأنهم يشعرون أنهم يدافعون عن أرضهم، ونحن نقاتل غصباً وقهراً وخوفاً من السجن ومن نظرة المجتمع. نحن تعلمنا أن اليهودية ديننا وأن الصهيونية بدعة سياسية للعدوان على الآخرين بذريعة حماية يهوديتنا، لكننا لم ننتصر في غزة ولن ننتصر، وهذه قناعة كل الجنود الذين شاركوا في القتال، ورأوا كيف يدفن الفلسطيني إبنه وإبنته وأحياناً كامل عائلته ثم يعود إلى سلاحه ليقاتل بانتقام أكبر وإيمان أعظم، ونحن في ما ارتكبناه بالهجوم على غزة أثبتنا للعالم أننا لا نحمي أنفسنا بل نظلم سوانا ونقتلهم وما جنينا من هذه الحرب سوى نقمة الشعوب علينا ولعنة التاريخ.