إلى دعاة "السلام الترمبي" في لبنان: متى تتعلّمون من دماء غزّة؟

الإثنين 20 تشرين الأول , 2025 11:52 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

في زمنٍ تتكشّف فيه الحقائق بأبشع صورها، من قلب المجازر في غزة، ومن على أنقاض البيوت المدمّرة وأجساد الأطفال المغطاة بالتراب والدم، يخرج بعض اللبنانيين، بوقاحة لا توصف، للترويج لما يسمونه "السلام الترمبي"، مدّعين أن التطبيع هو السبيل الوحيد نحو الازدهار والاستقرار. لكن قبل أن يبيعونا الوهم مجددًا، فلينظروا إلى غزة، حيث انهارت كل التعهدات الأميركية، وتبخّرت كل "الضمانات العربية"، وتحولت وعود الأمن إلى محرقة جماعية.

أي سلام هذا الذي يدعون إليه؟ سلام مع كيان لا يتردد في استخدام القنابل ضد المستشفيات والمدارس؟ كيان لم يحترم يومًا اتفاقًا، ولم يلتزم بمعاهدة، ولم ينجُ من وحشيته لا شيخ ولا امرأة ولا رضيع؟ أليس هذا الاحتلال هو نفسه الذي وقّع معاهدات "سلام" مع دول عربية، ثم استخدم أراضيها كمنصات للتجسس، أو سوقًا لاختراق المجتمعات؟

غزة ليست بعيدة عنا

إلى أولئك الذين يروّجون لأكذوبة "السلام مقابل التطوير الاقتصادي"، نقول: انظروا إلى غزة. ألم تكن وعود أميركا والغرب ومطبّعي العرب صريحة؟ ألم يتحدّثوا عن تسهيلات ومساعدات وصفقات؟ فأين ذهبت تلك الوعود حين قرر الاحتلال إشعال نار الحرب؟ لماذا صمت الجميع حين سُحقت غزة تحت جنازير الدبابات وقذائف الطائرات؟ بل لماذا تواطأ البعض بالصمت أو بالموقف الضبابي، الذي لا يدين الجلاد بل يساوي بينه وبين الضحية؟

ما جرى في غزة ليس حدثًا عابرًا، بل هو صفعة لكل من راهن على خيار الاستسلام، وتخلّى عن الكرامة بحجة "الواقعية". هو دليل صارخ على أن من يوقّع اتفاقات "سلام" مع العدو، يسلّمه مفاتيح أمنه ومستقبله، ويضع نفسه رهينة ابتزازه السياسي والعسكري.

لبنان ليس للبيع

لبنان، رغم كل أزماته، ليس دولة تائهة بلا ذاكرة. هو بلد قدّم قوافل من الشهداء في مقاومة الاحتلال، وحرّر أرضه بدماء أبنائه، لا بصفقات مشبوهة تحت الطاولة. من يطرح فكرة التطبيع اليوم، إنما يطعن نضال اللبنانيين في ظهره، ويستبدل السيادة الوطنية بالخنوع، والمقاومة بالخيانة.

التطبيع ليس رأيًا سياسيًا عاديًا يُطرح في سوق الأفكار. إنه فعل تواطؤ مع محتلّ، واشتراك في جرائمه، ومساهمة في تبييض صورته على حساب شعبنا الفلسطيني، وعلى حساب أمننا نحن.

الرهان على العدو خيانة.. والتجارب شاهدة

لقد رأينا ما فعلته إسرائيل بكل من وقّع معها اتفاقات: لا التزام، لا ضمان، لا احترام. الكيان الذي لا يحترم حرمة مسجد الأقصى، ولا يردعه وجود الصحافيين ولا المنظمات الدولية، هل سيحترم يومًا تعهدًا مع لبنان؟ هل سيتردّد لحظة في اجتياح أراضينا مجددًا إذا رأى فيها مصلحة له؟ وهل تظنون أن واشنطن ستحمينا حينها؟ أنظروا إلى غزة... أين أميركا؟

من يروّج للتطبيع في لبنان، إما غافل عن حقيقة هذا الكيان، أو متورّط في مشروع خيانة وطنية كبرى. فليصمتوا، على الأقل، احترامًا لدماء الأبرياء في غزة. وليتعلّموا من التاريخ القريب، أن الكيان لا يريد سلامًا، بل استسلامًا كاملًا.

وليعلموا أننا، في لبنان، لا نساوم على الكرامة، ولا نبيع الأرض لأجل فتات الدولارات، ولا نخدع أنفسنا بسراب "السلام" مع محتلّ عنصري مجرم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل