أقلام الثبات
تتهم أمريكا و"إسرائيل" والعرب وبعض الفلسطينيين "المسلمين الشيعة" بأنهم يمنعون السلام في المنطقة، ويشكلون صاعق تفجير دائم، فيُجهضون كل مشاريع "السلام"؛ من اتفاق 17 أيار في لبنان، إلى "صفقة العصر" إلى "خطة ترامب"، ومعارضتهم لاتفاقيات "السلام"، وأنهم المذهب الإسلامي الوحيد والأكثر خطراً على العرب والمسلمين، لأنه ما زال يحتضن القضية الفلسطينية ويدعم مقاومتها المسلّحة، بالتلازم مع تنازل أغلبهم عنها، وتحالفهم مع أمريكا و"إسرائيل" ضد حركات المقاومة ونزع سلاحها، ما دفع أمريكا و"إسرائيل" إلى اعتبار "الشيعة" في لبنان والعراق وإيران واليمن والنظام السوري السابق بوصفه "علويّاً" - أي "شيعياً" - العدو الأساس والعقبة الأخيرة لولادة "إسرائيل الكبرى" و"الشرق الأوسط الأمريكي"، فبادرت لإسقاط نظام الأسد، وشنت حربا على ايران واليمن ولبنان.
يفتري بعض اللبنانيين على المقاومة ويتهمها بأنها تسلبهم حب الحياة والترفيه والفرح والرقص والسرور وتدمر الاقتصاد، وهذا تزوير واضح، فقد استطاعت المقاومة منذ العام 2000 حتى 2024، ولأول مرة، توفير الأمن على كل جغرافيته، ولم يخرقها إلا حرب 2006 لشهر واحد، بفضل المقاومة التي حرّرت الأرض وألزمت "إسرائيل" بقواعد اشتباك تحفظ أمن لبنان واقتصاده وانتخاباته النيابية والبلدية خارج دبابات الاحتلال، أي ثلث عمر استقلال لبنان، بينما خرّبت الميليشيات المسيحية لبنان بالحرب الأهلية ما يقارب ثلث عمره، ولا تزال آثارها التخريبية حتى الآن، فالمقاومة أعطت الحياة للبنان ..واليمين المسيحي جرّعه الموت.
لماذا لا يستطيع الشيعة الاستسلام والتطبيع وتسليم السلاح؟
- إن العقيدة الدينية للمسلمين الشيعة ترفض الظلم والاحتلال بأمر إلهي {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} وإن مفاهيم الكرامة والعزة والشرف وحفظ العقيدة ركائز أساسية في شخصية المسلمين الشيعة وسلوكياتهم ولا يمكن أن يبادلوا الخبز بالعقيدة ولا الماء بالشرف والكرامة وقد أصدر كل فقهاء الشيعة وعلماؤهم الذين عاصروا الاحتلال "الإسرائيلي" لفلسطين فتاوى بعدم جواز الاعتراف "بإسرائيل" والدعم للفلسطينيين، ووصفها الإمام الصدر بأنها "شر مطلق"، واعتبر المرجع السيد باقر الصدر "الاعتراف بإسرائيل خروجاً عن الإسلام"، ووصفها الإمام الخميني "بالغدة السرطانية التي يجب اقتلاعها"، وكذلك المرجع السيد الخوئي والمرجع السيد السيستاني، وكل مراجع الشيعة لا يجيزون الاعتراف و"السلام" مع "إسرائيل".
- يستفيد الشيعة من تجربة العرب الذين وقعوا مع "إسرائيل" وآخر الأمثلة السلطة الفلسطينية التي وقعت اتفاقيات "أوسلو"، ثم أثبتت الوقائع أنها بلا سيادة ولا حرية ولا كرامة حتى طالب رئيسها بحماية الفلسطينيين، "كحيوانات"، وبعد إسقاط النظام في سوريا أعطى النظام الجديد "المؤقت" كل التطمينات "لإسرائيل" بأنه لا يريد الحرب معها، وأنه ضد المقاومة وإيران، ومع ذلك احتلت الجنوب السوري واستباحت سوريا، وكذلك قطر التي قصفتها "إسرائيل"، مع تقديمها كل الخدمات، وتعطي إسرائيل الكثير من الأدلة بأن الاستسلام لا يحمي المستسلمين ولا أوطانهم ولا ثرواتهم، بل يزيد الطمع "الإسرائيلي".
- لم يهاجم الشيعة "إسرائيل"، ولم يجتاحوها، بل كانت "إسرائيل" هي التي تهاجم لبنان، وكل عمليات الهجوم للمقاومة كانت داخل لبنان، إلا في حرب الإسناد، وأن تمسك الشيعة بالسلاح تفرضه مخططات "إسرائيل" منذ المؤتمر الصهيوني في بال 1897، والخرائط الصهيونية في مؤتمر الصلح في عام 1919، والتي حددت حدود "إسرائيل" إلى نهر الأولي صعوداً إلى جزين حتى جبل الشيخ، وذلك قبل ولادة لبنان، وقبل احتلال فلسطين، وقبل حوالي 100 عام من ولادة المقاومة، ما يعني أن السلاح ردة فعل وحاجة للمسلمين الشيعة فرضتها الوقائع، فكان قدرهم أن يكونوا في الجغرافيا المجاورة لفلسطين، والمتراس الأمامي لمواجهتها، بسبب غياب الدولة اللبنانية للدفاع، ووجود أغلبية لبنانية متحالفة وعميلة "لإسرائيل" مع بدايات تأسيس لبنان الكبير.
لا يريد "الشيعة" استمرار الحرب، فليست الحرب هواية ومهنة لهم، بل يريدون العيش بسلام وكرامة، دون احتلال، فإذا ما توفّرت هذه الحاجات الأساسية التي يحفظها الدين والقانون، فلن يتأخر الشيعة بالعودة إلى حقولهم ومدارسهم ومصانعهم، ويتخلّون عن السلاح الذي اشتروه بأموالهم ودفعوا آلاف الشهداء والجرحى وخسروا أرزاقهم.
لن يمنع الشيعة اعتراف الفلسطينيين "بإسرائيل" وتنازلهم عنها أو قسم منها، لكنهم لن يعترفوا بها، ولن يقاتلوا نيابة عن أهلها، وقد قاتلوا أكثر من سبعين عاماً من أجلها، ولم يقصروا... وواجبهم وتكليفهم الشرعي الآن حفظ عقيدتهم ووطنهم وأهلهم...
لا يفرض الشيعة عقيدتهم على أحد، ولا يقبلون ان يفرض الآخرون عقيدتهم عليهم.
يحب الشيعة الحياة... شرط أن تكون كريمة وعزيزة، ولذلك فهم يقاومون... ويستشهدون.