أقلام الثبات
اعتمدت أمريكا وحلفاؤها نظام دفاع وهمي لتسليح المقهورين والمظلومين وبعض الأغبياء "الأقوياء"، لنزع سلاحهم واستبداله بسلاح الضمانات الشفوية أو المكتوبة، لحماية الأوطان والحقوق. وقد ثبت تاريخياً أن الضمانات التي تُعطى قبل نزع السلاح سرعان ما يتنصل منها الضامنون وينقلبون عليها، لأن الضحية التي سلّمت سلاحها لن تستطيع الانتقام والثأر وستكتفي بإعلان عتابها ومظلوميتها.
لا تصدّر أمريكا السلاح الفتاك للعرب، وإن أعطتهم فإنها تحتفظ بتقنياته وإمرة تشغيله وإدارته، وتشترط عدم استخدامه ضد "إسرائيل"، ولو كان بندقية رشاشة، لكنها تعطي مجاناً "سلاح الوهم" الضمانات وتبيعه للعرب بأثمان غالية، مع أنه لا يمنع عدواناً ولا يحمي اتفاقاً ولا ينفّذ قراراً دولياً، بل مهمته تأمين نزع السلاح، وإحداث الفتن بين الأنظمة وحركات المقاومة، أو بين الطوائف والمقاومة وحتى بين المقاومة وبعض طائفتها.
يتشابه الدولار الأمريكي مع الضمانات الأمريكية الوهمية، فكما أن الدولار بدون تغطية ذهبية، فتطبعه أمريكا اعتماداً على هيبتها وقوتها وغطرستها، ولا يزال كل العالم يعمل به رغم معرفة ضعفه، كذلك فإن الضمانات الأمريكية بلا تغطية أخلاقية أو قانونية أو إنسانية، بل ضمانات ضعيفة، تنتهي بعد توقيع الطرف المطلوب رأسه على ورقة التنازلات، لتعلن أمريكا بعدها تنصلها، كما حدث في لبنان وإعلان المبعوث الأمريكي توم براك على منبر المسؤولين اللبنانيين أن "أمريكا لم تعطِ ضمانات لتنفيذ اتفاق تشرين، ولا تستطيع الضغط على إسرائيل لتنفيذ الاتفاق"، ثم ليعلن أن "اتفاق وقف الأعمال العدائية في لبنان لعام 2024 فشل"!
يعاني العرب من مرض "الأميّة السياسية" ومتلازمة النسيان، والإصرار على عدم التعلّم أو الفهم، ولا يستفيدون من تجربة من سبقهم في توقيع التنازلات، مقابل الضمانات الأمريكية الوهمية. ولأن أمريكا تعرف ضعفهم وغباءهم، فإنها لا تخاف أن تكرّر التجربة مع الجميع، لأنهم سيوقعون مقابل الضمانات الوهمية. ويمكن سرد بعض الضمانات الأمريكية والدولية الوهمية:
- الضمانات الأمريكية والدولية بما عُرف "باللجنة الرباعية" (أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) لضمان اتفاقيات "أوسلو" قبل أكثر من 30 عاماً ومن ضمنها قيام الدولة الفلسطينية. وبدل أن تقوم الدولة الفلسطينية فقد تم احتلال غزة وإبادتها ووضعها تحت وصاية وسلطة دولية بقيادة أمريكا وبريطانيا وتقليم أظافر السلطة الفلسطينية وتحويلها إلى سلطة قمع للمقاومين وتنسيق أمني مع إسرائيل!
- الضمانات الأمريكية "لاتفاق تشرين" بين لبنان وإسرائيل ووقف النار من الطرفين، فبعد عام على الاتفاق أعلنت أمريكا تنصّلها من الضمانات وعدم قدرتها لوقف النار الإسرائيلي واستباحة لبنان. ثم ربحت أمريكا وإسرائيل قرار الحكومة اللبنانية بنزع سلاح المقاومة مجاناً دون مقابل، قبل أن تجبر أمريكا الحكومة على الذهاب للمفاوضات، منزوعة السلاح ضعيفة لا تملك سوى "يد وقلم" لتوقيع الاستسلام الذليل.
- الضمانات الأمريكية للمقاومة في غزة والتي بدأت تتبخّر بعد استرداد إسرائيل للأسرى وخسارة المقاومة ورقة القوة الأخيرة التي تملكها. ولن تكون هناك ضمانات أمريكية لحفظ غزة وحتى الوعود بإبقاء أهل غزة فيها أمرٌ مشكوك في تحقيقه بعد نزع سلاح المقاومة وفق الاتفاق.
جاء في الحديث النبوي الشريف (المؤمن القوي خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف) ولا يمكن أن يعترف العدو بحقوقك دون قدرتك على المقاومة وامتلاكك للقوة وإمكانية المناورة والرفض. ومن الغباء أو العمالة أن تذهب إلى المفاوضات بعد نزع سلاحك، فلن تستطيع فرض شروطك أو تعديل شروط العدو ولن تقبض ثمن التنازل عن السلاح مقابل مكتسبات ميدانية وسياسية وأمنية.
إذا أصرّت الحكومة على التفاوض مع العدو الإسرائيلي - وقوى المقاومة جزء منها وعليها توضيح موقفها من التفاوض - فعليها التراجع عن قرار نزع السلاح، ليكون حاضراً على طاولة المفاوضات داعماً للموقف اللبناني في المرحلة الأولى ولكي يكون ثمناً لاستعادة الحقوق وفرض قواعد اشتباك جديدة تحمي لبنان، فهدف السلاح حماية الأرض ومنع العدوان، إما بالنار وإما بالتهديد، لفرض منع العدوان، باتفاقيات كما حصل في تفاهم نيسان عام 1996 وكما كان الحال عام 2006.
لا تذهبوا للمفاوضات "عُراةً" بلا سلاح ... حتى لا يغتصبكم العدو.
الضمانات الأمريكية والدولية... سلاح الدفاع الوهمي ــ د. نسيب حطيط
الإثنين 20 تشرين الأول , 2025 10:14 توقيت بيروت
أقلام الثبات

