أقلام الثبات
تتخذ الاعتداءات "الإسرائيلية" المتكرّرة على لبنان أبعاداً أبعد من القصف العسكري الميداني، وذلك عبر الانتقال استهداف مواقع مدنية، كمعارض الجرافات، ومقالع ومصانع اسمنت ومعدات إنشائية وغيرها، وذلك يهدف إلى ضغط سياسي واستراتيجي، ورسم قواعد اشتباك جديدة في مرحلة ما بعد اتفاق غزة، وجعل الجنوب اللبناني منطقة غير قابلة للسكن، وتهجير أهلها عبر منعهم من إعادة الاعمار.
التصعيد "الإسرائيلي" تجاه لبنان يتخذ مسارات عدّة، أبرزها:
أولًا: التصعيد الميداني تحت غطاء المناورات
أعلن الجيش "الإسرائيلي" عن بدء تمرين عسكري واسع النطاق على طول الحدود مع لبنان، وفي الجبهة الداخلية، وبالرغم من قول أفيخاي أدرعي إن التمرين هو ضمن خطة التدريبات السنوية لعام 2025، لكن توقيت هذه المناورات، المتزامن مع القصف الجوي والمدفعي لأعيان مدنية لبنانية، يوحي بأن "إسرائيل" تريد أن تزيد الضغوط والحرب النفسية على لبنان، والتهديد بتوسيع الاعتداءات بعد وقف إطلاق النار في غزة.
هذا النمط من السلوك "الإسرائيلي" ليس جديدًا؛ فقد درج "الاسرائيليون" على دمج التمارين العسكرية بالرسائل السياسية، مستغلين حالة الغموض العملياتي لتوجيه إنذارات مبطّنة. الإعلان عن هذا التمرين، إلى جانب إطلاق النار باتجاه المزارعين في كروم الزيتون الحدودية، ليسا سوى أدوات ضغط تهدف إلى تفريغ الشريط الحدودي، لفرض منطقة عازلة خالية من السكان.
ثانيًا: الضغوط العسكرية لفرض تنازلات
بالإضافة الى ما سبق، تسعى "إسرائيل"، من خلال هذا التصعيد، إلى تحقيق هدفين متوازيين:
1. منع عملية إعادة الإعمار في الجنوب اللبناني، عبر استهداف البنى التحتية المدنية، لمنع استعادة الاستقرار وعودة السكان إلى قراهم، والضغط على الحكومة اللبنانية بأنه لا إعمار بدون تقديم تنازلات في ما خص سلاح حزب الله.
2. فرض مسار تفاوضي مباشر مع لبنان تحت ضغط ميداني ونفسي، بغية انتزاع اتفاق أمني يكرّس منطقة عازلة خالية من السكان، ويمنح "إسرائيل" عمقًا دفاعيًا على حساب السيادة اللبنانية.
هذه السياسة تمثّل امتدادًا للعقيدة الأمنية "الإسرائيلية" التي تعتمد على الردع عبر القوة المفرطة، وعلى «الهندسة الجغرافية» للحدود عبر فرض مناطق عازلة في كل من لبنان وغزة وسوريا.
في النتيجة، ما يجري جنوب لبنان لا يمكن عزله عن المشهد الإقليمي الأشمل، فبعد اتفاق غزة، يبدو أن "إسرائيل" تسعى إلى الضغط على لبنان – بضوء اخضر أميركي - لتقديم تنازلات في ما يخص المنطقة العازلة الخالية من السكان التي تريد فرضها في الجنوب، والضغط لنزع سلاح حزب الله، حتى لو أدى ذلك الى حرب أهلية لبنانية.